أنظر : شرح مولانا مبارك شاه. رسالة ألّفها مجهول (مجهول 62 AWI) للملك شاه شجاع يشرح فيها كتاب الأدوار؛ وذكر ابن الملقّن في طبقات الأولياء أنّه : "شاه بن شجاع الكرماني أبو الفوارس، من أولاد الملوك". وبعد تحقيقنا للنّصّ رجّحنا أن يكون المؤلّف هو إحدى الشّخصيّتين التّاليتين : غيّاث الدّين بن جمشيد الكاشي (عالم الرّياضيّات والفلك والموسيقى) وعبد القادر المراغي بن غيبيّ (عالم الموسيقى ومؤلّف "شرح الأدوار" باللّسان الفارسيّ).
شَرْحُ مَولَانَا مُبارَكْ شَاهْ، بَرَّأَهُ ٱللهُ
بِسْمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ
/۱/ ٱلْحَمْدُ لِلهِ ٱلَّذِي اِخْتَارَ نَوْعَ ٱلْإِنْسَانِ بِمَزِيدِ ٱللُّطْفِ وٱلْإِحْسَانِ ومَيَّزَ بِهِمْ عَنْ سَائِرِ ٱلْأَكْوَانِ /۲/ بِدَقِيقِ ٱلْفَهْمِ وٱلْبَيَانِ، ورَسَمَ أَنْفَاسَهُمْ بِكَيْفِيَّاتِ ٱلْحُرُوفِ وٱلْأَلْحَانِ، وزَيَّنَ أَلْفَاظَهُمْ /۳/ بِمَحَاسِنِ ٱلْأَصْوَاتِ وٱلْأَوْزَانِ؛ حَمْدًا يَضُوعُ شَذَاهُ مَدَى ٱلْأَدْوَارِ وٱلْأَزْمَانِ، وتَفُوحُ /۴/ رَيَّاهُ نَسِيمَ ٱلرَّوْحِ وٱلرَّيْحَانِ. وٱلصَّلَوةُ وٱلسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِ ٱلرَّحْمَنِ مُحَمَّدٍ ٱلْمَبْعُوثِ /۵/ إِلَى كَافَّةِ ٱلْإِنْسِ وٱلْجَانِ، وعَلَى آلِهِ أَعْيَانِ ٱلْأَعْيَانِ وأَصْحَابِهِ وأَحْبَابِهِ خَيْرِ أَصْحَابٍ /۶/ وأَخْدَانٍ.
أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ ٱلْمُهِمَّ فِي زَمَانِنَا هَذَا تَقَاصَرَتْ عَنْ تَحْقِيقِ ٱلْعُلُومِ ٱلْعَقْلِيَّةِ وتَحْصِيلِهَا /۷/، وٱلرَّغَبَاتُ فَتَرَتْ* ن.2 : أفدت عَنْ دَرْكِهَا وضَبْطِ جُمَلِهَا وتَفَاصِيلِهَا* ن.2 : تفصيلها، حَتَّى تَدَاعَتْ مَبَانِيهَا بِٱلْإِنْهِدَامِ، /۸/ وتَجَاوَبَتْ قَوَاعِدُهَا بِٱلْإِنْخِرَامِ لَا سِيَّمَا ٱلرِّيَاضِيَّاتُ فَإِنَّهَا صَارَتْ كَٱلْعَنْقَاءِ يُسْمَعُ مِنْهَا /۹/ إِسْمٌ بِلَا مُسَمَّى، تَنْفَرُّ عَنْ تَصَدِّيهِ ٱلطِّبَاعُ كَتَنَفُّرِ* ن.1 : لا كتنفّر ٱلشَّاءِ مِنْ صَيْدِ ٱلسِّبَاعِ. ومِنْ أُصُولِهَا ٱلْمُوسِيقَى /۱۰/ ٱلَّتِي تَمِيلُ إِلَيْهَا ٱلأَذْهَانُ ٱلسَّلِيمَةُ وٱلْأَفْهَامُ ٱلْمُسْتَقِيمَةُ، وقَدْ تَشَبَّثَ بِأهْدَابِ* تعبير مجازي يُفيد التّعلُّقَ. ٱلْجُزْءِ ٱلْعَمَلِيِّ /۱۱/ مِنْهُ آحَادٌ مِنَ ٱلْعَوَامِّ [(أي البعض منْ عامّةِ النّاسِ)] قَنَعُوا بِٱلْيَسِيرِ مِنْهُ لَا بِٱلتَّمَامِ، يَضْرِبُونَ عَلَى سُنَنِهِ ٱلْأَوْتَارَ ويَتَغَنَّوْنَ /۱۲/ عَلَى شُعَبِهِ لِتَنَاوُلِ ٱلأَوْطَارِ* نقول : ”نالَ وَطَرَهُ أيْ نال بُغْييَتَهُ وهدَفَهُ“.؛ مَعَ ٱلْغَفْلَةِ عَنِ ٱلْفَنِّ ٱلْعِلْمِيِّ مِنْهُ كُلِّيًّا. وكَوْنُهُ عِنْدَهُمْ نَسِيًّا مَنْسِيًّا /۱۳/ وأَنِّي عِنْدَ شُرُوعِي فِي كُلِّيَاتِ ٱلطِّبِّ اِفْتَقَرْتُ إِلَى قَوَاعِدَ مِنْ هَذَا ٱلْفَنِّ مُحْتَاجَةً [أي كلّيات الطّبّ] إِلَيْهَا [أي القواعد] فِيهِ [أي الطّبّ]. /۱۴/ فَحَرَصْتُ عَلَى ٱلْوُقُوفِ عَلَى كُنْهِ* الكُنْهُ هو الحقيقة والجوهر والكينونة.هَذَا ٱلْعِلْمِ ٱلْمَهْجُورِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا عِنْدَهُ مَا يَشْفِي ٱلصُّدُورَ؛ /۱۵/ فَصَرَفْتُ شَطْرًا صَالِحًا مِنْ عُمُرِي فِي تَحْقِيقِهِ وضَبْطِهِ وتَرْتِيبِهِ، وبَاحَثْتُ كُلَّ مَنْ جَلَّ وقَلَّ و/۱۶/اِسْتَسْقَيْتُ ٱلْوَبْلَ وٱلطَّلَّ* يستعمل المؤلّف المفردات المتضادّة للدّلالة عن حرصه على المعرفة.، ورَاجَعْتُ جُلَّ ٱلْكُتُبِ ٱلْمُصَنَّفَةِ فِيهِ؛ فوَجَدْتُ رِسَالَةَ /۱۷/ ٱلْأَدْوَارِ ٱلَّتِي لَمْ يَسْمَحْ بِمِثْلِهِ ٱلْأَدْوَارُ مَا دَارَ ٱلْفُلُكُ ٱلدَّوَّارُ؛
كِتَابًا جَامِعًا لِأُصُولِهِ وفُرُوعِهِ، /۱۸/ مُشْتَمِلًا عَلَى مَبَاحِثَ جَلِيلَةٍ فِي أَلْفَاظٍ قَلِيلَةٍ ولَطَائِفَ كَثِيرَةٍ فِي عِبَارَاتٍ يَسِيرَةٍ لَا يَطَّلِعُ /۱۹/ عَلَى شُعَبِهِ إِلَّا ٱلْأَوْحَدِيُّ مِنَ ٱلْأَذْكِيَاءِ، ولَا يَهْتَدِي إِلَى طُرُقِهِ إِلَّا ٱلْأَلْمَعِيُّ مِنَ ٱلْفُضَلَاءِ؛ فَاِجْتَهَدْتُ /۲۰/ فِي حَلِّ عُقَدِهِ ورَفْعِ شُبَهِهِ بُرْهَةً مِنَ ٱلزَّمَانِ، وتَدَاوَلْتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي كُلِّ حِينٍ وأَوَانٍ. /۲۱/ فَلَمَّا صَادَفْتُ مِنْهُ ٱلْمُبْتَغَى، واِرْتَقَيْتُ مِنْهُ ٱلْمُرْتَقَى وتَصَفَّحْتُ سَمِينَهُ وشِيتَهُ* « ٱلشِّيتُ : ضَرْبٌ مِنَ ٱلنَّسِيجِ ٱلْخَفِيفِ ٱلْمَنْقُوشِ ٱلْمَصْنُوعِ مِنَ ٱلْقُطْنِ ».، وتَعَرَّفْتُ /۲۲/ غَثَّهُ وسَمِينَهُ؛ أَحْبَبْتُ أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يُذَلِّلُ صِعَابَهُ ويُمَيِّزُ عَنِ ٱلْقِشْرِ لُبَابَهُ ويَكْشِفُ عَنْ /۲۳/ وُجُوهِ ٱلْمُشْكِلَاتِ غِطَاءَهُ ويُمِيطُ عَنْ عُيُونِ ٱلْمُعْضِلَاتِ غِشَاءَهُ. فَوَافَقَ ٱلْقَدَرُ /۲۴/ مُرَادِي وأَنْجَحَ مَا سَنَحَ لِفُؤَادِي؛ ولَمَّا فَرَغْتُ مِنْ إِتْمَامِهِ وإِبْرَازِ مَكْنونِهِ مِنَ أَكْمَامِهِ جَعَلْتُهُ وَسِيلَةً |69 أ| /۱/ إِلَى حَضْرَةِ مِنْ حِصَّةِ ٱللهِ بِتَأْيِيدِهِ. وجَعَلَهُ مَظْهَرَ ٱلْمَرَحْمَةِ عَلَى عَبِيدِهِ. جَمَعَ أَقْطَارَ ٱلْأَرْضِ فِي صَفْقَةِ /۲/ مَلَكَتِهِ* ن.2 : مُلْكِهِ* يُقْصَدُ بـ”صفقة ملتكه“ (في السّياق الدّينيّ للعبارة) ”عَقدُ مَلكته“؛ أي أنّ الله قد جعل أقطار الأرض ضِمْن ملكته (مُلْكِهِ) وما يقدر على فعله (أي ما يقدر أن يخلقه).، وضَمَّ ٱلْخَلَائِقَ بِأَجْمَعِهَا فِي حَوْزَةِ مُلْكِهِ، [و]خَضَعَتْ عِنْدَ سَرِيرِ سَلْطَنَتِهِ رِقَابُ ٱلسَّلَاطِينِ، /۳/ واِرْتَعَدَتْ بِسِيَاسَتِهِ فَرَائِصُ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ، [و]تَطَأْطَأَتْ لِوَطْأَتِهِ أَعْنَاقُ ٱلصِّيَدِ* ”تَطَأْطَأَتْ لِوَطْأَتِهِ أَعْنَاقُ ٱلصِّيَدِ“ : أي تحرّكت الأعناق نحو الأسفل من شدّة عظمة الخالق، على أنّها أعناقُ صِيدٍ : أي أعناق مصابة بعدم القدرة على الحركة. ولَانَتْ /۴/ بِصَوْلَتِهِ صِعَابُ أَصْلَابِ ٱلصَّنَادِيدِ [و]اِنْخَرَطَـ[ـتْ] فِي سِلْكِ سَامِي رَأْيِهِ مَصَالِحُ ٱلدِّينِ وٱلدُّنْيَا، ولَاذَ بِبَابِهِ /۵/ ٱلْمُنِيفِ وجَنَابِهِ ٱلشَّرِيفَ كَافَّةُ ٱلْوَرَى؛ تُسَاقُ إِلِى جَنَابِهِ رَكَائِبُ ٱلْآمَالِ، ويَضْرِبُ في طَلَبِ /۶/ أَفْضَالِهِ --ٱلبَازُّ * ٱلْبَازُّ : هو الغالب المُنتزع، من فعل بَزَّ، جذره (بَ، زَ، زَ)؛ يُقال : مَنْ عَزَّ بَزَّ، أي، من غَلَبَ سَلَبَ، وقيل قهر واِغْتَصب.، ٱلْأُبَّالُ* الأُبّال هم رُعاة الإبل الّذين يُحسنون العناية بها ويتقنون تربيتها وتعليمها؛ واللّفظ استُعمِل كَتعبير مجازيٍّ يُفيد الإتقان والحِنكة؛ الّذين -وبالرّغم من كلّ ذلك- لا يزالون يطلبون خصال الخالق.--، شُحِنَتْ بِثَنَائِهِ أُصُولُ ٱلْمَحَاضِرِ وشُرِّفَتْ بِأَلْقَابِهِ فُرُوعُ ٱلْمَنَابِرِ، يَنْتَظِمُ /۷/ بِذِهْنِهِ ٱلنُّقَّادُ فِي سَلْكِ ٱلْبَيانِ [و]فَرَائِدِ حَقَائِقِ ٱلْمُعْضِلَاتِ، وتَنْحَلُّ بِطَبْعِهِ ٱلْوَقَّادِ عَقَائِدُ /۸/ دَقَائِقِ ٱلْمُشْكِلَاتِ، لَا يَخْطُرُ بِٱلْبَالِ نُكْتَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَّا وعِنْدَهُ بَيِّنَةٌ جَلِيَّةٌ، ولَا يُشَارُ بِحَضْرَتِهِ إِلَى سِرٍّ مَسْتُورٍ /۹/ إِلَّا وأَلْبَسَهُ لِبَاسَ ٱلظُّهُورِ، وفَلَّتْ حُلَّةُ* ن.1 : لمة ٱلْحَقِّ لِمَيَامِنِ دَوْلَتِهِ مِنْ جَلَابِيبِ ٱلْجَلَالِ وأَسْبَغَهَا* * أ. : في اسبغها /۱۰/ وأَسْنَاهَا* ”أسناها“ : أضاءَهَا. ويُقال « أَسْنَى : ٱلْبَرْقُ ونَحْوَهُ : أَضَاءَ سَنَاهُ ».، ورَقَّتْ مِنْ بِقَاعِ ٱلْغُزِّ* الغُزُّ أو الأوغوز هو إسم يُطْلَقُ على قبائل الأوغوز التّركيّة الّتي سكنت آسيا الوسطى خلال العصور الوسطى، ويحمل صفة تركيّ أو تركمانيّ كلّ من نطق لغة من اللّغات التّركيّة، وتنحدر من هذا العرق قبيلة الكايي الّتي تفرّعت منها السّلالة العثمانيّة وحَكَمَتْ لاحقًا القسطنطينيّة والعالم العربيّ إلى حدود 1929. وٱلْكَمَالِ إِلَى أَعْلَى ذُرَاهَا. مَلَكَ* ن.1 : تلك رِقَابَ ٱلْجَبَابِرَةِ بِمَا حَازَهَا /۱۱/ مِنْ مَلَكَتَيْ ٱلسَّمَاحَةِ وٱلْحَمَاسَةِ، وذَلَّلَ صِعَابَ قرُوم[أو قورم أو قراقورم]* قروم أو قراقورم : عاصمة بلاد المغول الأولى الّتي بناها جنكيز خان، وتُعرف بمنغوليا حاليًّا. [و]ٱلْأَكَاسِرَةِ* الأكاسرة : هم الملوك السّاسانيّون من عرق الفرس، الّذين حكموا بلاد فارس (إيران حاليًّا) والمناطق المجاورة لإيران شمالًا وشرقًا وُصولًا إلى مصر. بِمَا فَازَ* ن.2 : قادبِهَا مِنْ فَضِيلَتَيْ ٱلْعَدَالَةِ /۱۲/ وٱلسِّيَاسَةِ؛ ظِلُّ ٱللهِ ٱلْمَمْدُودِ فِي أَقْطَارِ ٱلْأَرَضِينِ، صُورَةُ رَحْمَةِ ٱلْخَالِقِ عَلَى ٱلْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، /۱۳/ أَفْضَلُ ٱلْمُلُوكِ وأَكْمَلُ ٱلْوُلَّاةِ وأَعْدَلُ ٱلسَّلَاطِينِ، جَلَالُ ٱلْحَقِّ وٱلدِّينِ وٱلدُّنْيَا* ن.2 : والدّنيا والدّين ، مُبَارِزُ /۱۴/ ٱلْإِسْلَامِ وغَيَّاثُ ٱلْمُسْلِمِينَ، ٱلسُّلْطَانُ ٱلْمُطِيعُ ٱلْمُطَاعُ جَلَالُ ٱلدُّنْيا وٱلدِّينِ أَبِي /۱۵/ ٱلْفَوَارِسِ شَاهْ شُجَاعْ خَلَّدَ ٱللهُ مُلْكَهُ وسَلْطَنَتَهُ فِي دَوْلَةٍ ظَاهِرَةِ ٱلرَّايَاتِ إِلَى يَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ، /۱۶/ وأَيَّدَ رَأْفَتَهُ ورَحْمَتَهُ فِي أُبَّهَةِ بَاصِرَةِ ٱلْآيَاتِ مُقْتَرِنَةٍ بِٱلْخُلُودِ؛ فَإِنْ نَظَرَ إِلَى مَا قَاسَيْتُ فِيهِ /۱۷/ بِعَيْنِ ٱلرِّضَى فَهْوَ نِهَايَةُ ٱلْمَرْجَى وغَايَةُ ٱلْمُنَى، وٱللهُ يُؤَيِّدُهُ بِنَصْرِهِ فِي ٱلدِّينِ وٱلدُّنْيَا ويُؤْتِيهِ /۱۸/ مِنْ لَدُنِهِ* ن.2 : ويؤتيه من الله مَا هُوَ ٱلْمُبْتَغَى، إِنَّهُ لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ.
قَالَ : ” ٱلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ وٱلصَّلَوٰةُ* ن.2 : وصلواته عَلَى /۱۹/ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَمَرَنِي مَنْ يَجِبُ عَلَيَّ اِمْتِثَالُ* في الحاشية : ”ٱلْاِمْتِثَالُ --لِأَوَامِرِهِ أَوْرَدَهُ-- : تَاجٌ، [يُقصد هنا تاج المروءة أي التّواضع : التّواضع أمام النّاس وأمام الله]؛ ٱلْمُرَامُ [هو] ٱلْمَقْصُودُ : تَاجٌ؛ ٱلتَّيَمُّنُ : قَالَ : ”--نُؤْخِذُكَ-- : تَاج؛ سَنَحَ : ظَهَرَ وعَرَضَ م خِطَـ[ـا]بُهُ مُطَوَّلٌ؛ (.)“. أَوَامِرِهِ وٱلتَّيَمُّنُ بِٱلسَّعْيِ فِي /۲۰/ مَسَالِكِ مَرَامِي خَوَاطِرِهِ أَنْ أَضَعَ لَهُ مُخْتَصَرًا فِي مَعْرِفَةِ ٱلنَّغَمِ ونِسَبِ أَبْعَادِهَا وأَدْوَارِهَا وأَدْوَارِ /۲۱/ ٱلْإِيقَاعِ وأَنْوَاعِهِ،* ن.2 : وأدوار الإيقاع، عَلَى نَهْجٍ يُفِيدُ ٱلْعِلْمَ وٱلْعَمَلَ؛ فَبَادَرْتُهُ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ مُمْتَثِلًا، وبَيَّنْتُ مَا سُنِحَ /۲۲/ لِلْخَاطِرِ فِيهِ مَا إِذَا أَمْعَنَ ٱلنَّاظِرُ فِيهِ اِنْكَشَفَ لَهُ مَا لَمْ يَتَفَطَّنْ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مَنْ* ن.1 : ممّن أَفْنَى جُلَّ زَمَانِهِ* ن.2 : أفنى زمانه /۲۳/ فِي هَذِهِ ٱلصِّنَاعَةِ.“.
أَقُولُ : أَمَّا مَعْنَى ٱلدِّيبَاجَةِ فَوَاضِحَةٌ؛ لَكِنَّا نُقَدِّمُ -قَبْلَ ٱلشُّرُوعِ فِي مَعَانِي كَلَامِهِ- /۲۴/ مَبَاحِثَ يُحْتَاجُ فِي كُلِّ عِلْمٍ إِلَى تَقْدِيمِهَا، لِيَكُونَ ٱلْكِتَابُ مَسْلُوكًا عَلَى ٱلنَّهْجِ ٱلْمُتَعَارَفِ فِي /۲۵/ سَائِرِ ٱلْعُلُومِ. فَنَقُولُ : مِنْ دَأْبِ ٱلْعُلَمَاءِ فِي تَصَانِيفِهِمْ أَنْ يَبْدَؤُوا* أ. : ”يبدؤا“. بِتَعْرِيفِ ٱلْعِلْمِ وذِكْرِ مَوْضُوعِهِ |69 ب| /۱/ ومَبَادِئِهِ وبَيَانِ وَجْهِ ٱلْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ وٱلْمُصَنِّفُ أَهْمَلَ أَكْثَرَهَا لِأَنَّ عِنَايَتَهُ مَصْروفَةٌ إِلَى بَيَانِ /۲/ ٱلْمَبَاحِثِ ٱلضَّرُوريَّةِ لِأَهْلِ ٱلْعَمَلِ.
فَأَمَّا تَعْرِيفُ* في الحاشية : ”قَالَ بَعْضُ ٱلْأَفَاضِلِ :”كُلُّ نَغْمَةٍ مِنَ ٱلنَّغَمَاتِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ فِيهَا أَسْرَارٌ : ٱلْأَكْثَرِيَّةُ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا خَوَاصُّ ٱلْأَوْلِيَاءِ“. قَالَ بَعْضُ ٱلْحُكَمَاءِ : ”ٱلْمُوسِيقَى --فَنٌّ آلِيٌّ--. وعِنْدَ أَرْبَابِ ٱلْعِلْمِ فَحُقِّقَ أَنَّ لِلْمُوسِيقَى --شَرَفًا فَإِنَّهَا مَخْزَنُ ٱلْأَلْحَانِ--.“ ٱلْعِلْمِ فَــٱلْمُوسِيقَى لَفْظٌ يُونَانِيٌّ مَعْنَاهُ /۳/ ٱلْأَلْحَانُ؛ وٱللَّحْنُ فِي ٱللُّغَةِ ٱلْقِرَاءَةُ ٱلْمُطْرِبَةُ، يُقَالُ لَحِنَ فُلَانٌ فِي قِرَاءَتِهِ إِذَا أَطْرَبَ* في الحاشية : ”[يتِمّ ٱلْإِطْرَابُ إِذَا ذَكَرَ [المطرب] دَائِرَةً ★ مِزَاجٌ“. بِهَا /۴/ وغَرَّدَ؛ وٱلتَّغْرِيدُ * في الحاشية : ”غَرَّدَ كَأَنَّهُ --كُرْدٌ، كَوَتَرٍ--، --واِسْتَدَانَ ★ افعال--“. ٱلتَّطْرِيبُ فِي ٱلصَّوْتِ، وهُوَ أَلْحَنُ* صيغة تفضيل على وزن أَفْعَلُ مثل : فلان أفْضَلٌ من فلانٍ في نظم الشّعر، أو زَيدٌ أسرعُ بديهةً (أذكى، أفْطَنُ) من عمرو. ٱلنَّاسِ إِذَا كَانَ أَحْسَنُهُمْ قِرَاءَةً.
/۵/ وفِي ٱلْإِصْطِلَاحِ يُفَسَّرُ بِمَعْنَيَيْنِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِتَعْرِيفِ ٱلْعِلْمِ، ٱلْأَوَّلُ أَنَّهُ جَمَاعَةُ نَغَمٍ مُخْتَلِفَةٍ رُتِّبَتْ /۶/ تَرْتِيبًا مَحْدُودًا مُلَائِمًا، وٱلثَّانِي أَنَّهُ جَمَاعَةُ نَغَمٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدْ رُتِّبَتْ تَرْتِيبًا مَحْدُودًا مُلَائِمًا /۷/ قُرِنَتْ بِهَا أَلْفَاظٌ مَنْظُومَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ. وٱلْمَعْنَى ٱلْأَوَّلُ أَعَمُّ، بَلْ هُوَ شِبْهُ مَادَّةٍ /۸/ لِلثَّانِي؛ وسَيَجِيءُ ٱلْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ ٱللهُ.
وٱلشَّيْخُ ٱلْفَاضِلُ ٱلْمُقَدِّمُ /۹/ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدٌ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ إِيزْلَاغْ ٱلطَّرْخَانِيُّ ٱلْفَارَابِيُّ* في الحاشية : ”ذَكَرَ ٱلشَّيْخُ ٱلْفَاضِلُ فِي ٱلْمَقَالَةِ : ”فَلَفْظُ ٱلْمُوسِيقَى مَعْنَاهُ أَلْحَانٌ، وإِسْمُ ٱللَّحْنِ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةِ نَغَمٍ مُخْتَلِفَةٍ رُتِّبَتْ تَرْتِيبًا مَحْدُودًا، وقدْ يَقَعُ أَيْضًا عَلَى جَمَاعَةِ نَغَمٍ أُلِّفَتْ تَأْلِيفًا مَحْدُودً[ا] وقُرِنَتْ بِهِ أَبْحُرٌ وِفْقَ ٱلْمَنْظُومَةِ ٱلَّتِي تَرَكَّبَتْ مِنْهَا ٱلْأَلْفَاظُ ٱلدَّالَّةُ ٱلْمَنْظُومَةُ عَلَى مَجْرَى ٱلْعَادَةِ فِي ٱلدَّلَالَةِ بِهَا عَلَى ٱلْمَعَانِي.“؛ وذَكَرَ صَاحِبُ ٱلشَّرَفِيَّةِ [أي الأرمويّ] : ”أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ٱلْمُتَنَافِرُ لِأَنَّهُ أَيْضًا مُرَتَّبٌ بِتَرْتِيبٍ مَحْدُودٍ، وقَدْ يَقَعُ إِسْمُ ٱللَّحْنِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلَّمَا ذُكِرَ فِي ٱلشَّرَفِيَّةِ ★ مَخْزَنُ ٱلْأَلْحَانِ م . قَالَ ٱلشَّيْخُ فِي ٱلشِّفَاءِ [أي في "كتاب الشّفاء"] : ”فَٱلْمُوسِيقَى عِلْمٌ رِيَاضِيٌّ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ ٱلنَّغَمَاتِ مِنْ حَيْثُ [ٱلـ]ـتَآلُفِ وتَبَيُّنِ فُرُ[و]قِ وأَحْوَالِ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَهَا، لِيُعْلَمَ كَيْفَ تُؤَلَّفُ ★ مَخْزَنُ ٱلْأَلْحَانِ“. . رَحِمَهُ ٱللهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ : ”إِنَّ ٱلْمُوسِيقَى /۱۰/ صِنَاعَةٌ* في الحاشية : ”ٱلصِّنَاعَةُ بِكَسْرِ ٱلصَّادِ وهِيَ ٱلْحَاصِلُ مِنَ ٱلتَّمَرُّنِ عَلَى ٱلْعَمَلِ \ding{72} شَرْحُ --.--؛ أي بمثابة عنوان، من السّطر الثّالث من الورقة : ”الألحان واللّحن في اللّغة …“ إلى السّطر العاشر من نفس الورقة : ”صناعة تشتمل على الألحان ...“. تَشْتَمِلُ عَلَى ٱلْأَلْحَانِ، ومَا بِهَا تَلْتَئِمُ ومَا بِهَا تَصِيرُ أَكْمَلَ وأَجْوَدَ“. يُشِيرُ إِلَى أَنَّ /۱۱/ لِلْمُوسِيقَى ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ* ”ثلاثةَ أجزاءٍ“هو إسم النّاسخ ”أنّ“ تأخَّرَ، ويكون منصوبًا.، ، فَأَمَّا ٱلْجُزْءُ ٱلَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى ٱلْأَلْحَانِ أَنْفُسِهَا فَهُوَ ٱلْعَمَلِيُّ مِنْ هَذَا ٱلْفَنِّ؛ /۱۲/ وأَمَّا : ”مَا بِهَا تَلْتَئِمُ“ فَإِشَارَةٌ إِلَى ٱلْقِسْمِ ٱلَّذِي تَتَبَيَّنُ* أ. : ”يتبيّن“ والأصحّ أن يُؤنّث الفعل لأنّه يعود على ”الأجزاء الضّروريّة“ وليس على إسم الموصول ”الّذي“. فِيهِ ٱلْأَجْزَاءُ ٱلضَّرُورِيَّةُ لِلْأَلْحَانِ، وهِيَ /۱۳/ ٱلنَّغَمَاتُ وٱلْأَبْعَادُ وٱلْجُمُوعُ ٱلنَّاقِصَةُ وٱلْكَامِلَةُ وكَيْفِيَّةُ ٱلْإِنْتِقَالَاتِ فِي ٱلْعَمَلِ وضُرُوبُ /۱۴/ ٱلْإِيقَاعِ؛ و”مَا بِهَا تَصِيرُ أَكْمَلَ وأَجْوَدَ“ فَإِشَارَةٌ إِلَى ٱلتَّرْنِينَاتِ وٱلتَّرْنيِدَاتِ ٱلَّتِي تُضَافُ /۱۵/ إِلَى ٱلْأَجْزَاءِ ٱلْأَصْلِيَّةِ لِلْأَلْحَانِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي مَوَاضِعِهَا.
وقَدْ رَسَمَهُ بَعْضُ ٱلْأَفَاضِلِ بأَنَّهُ : /۱۶/ ”عِلْمٌ يُعْرَفُ مِنْهُ كَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ ٱلنَّغَمَاتِ لِتَكُونَ مُلَائِمَةً بِحَسَبِ نِسَبِهَا [و]مَوْزُونَةً بِحَسَبِ أَزْمِنَةِ /۱۷/ مَا بَيْنَهَا“. وذَلِكَ ٱلتَّعْرِيفُ أَشْبَهُ لِاِشْتِمَالِهِ عَلَى ٱلْعِلَلِ ٱلْأَرْبَعِ* * أ. : ”الأربعة“.، إِذِ ٱلنَّغَمَاتُ* تُكتب ”إذِ النّغمَات“ بكسْر الذّالِ لضرورة الرّبط رغم أنّ ”إذْ“ هو إسم للزّمان الماضي ويكون مبنيًّا على السّكون أساسًا. كَٱلْمَادَّةِ، وٱلتَّأْلِيفُ /۱۸/ كَٱلصُّورَةِ، وٱلْمُلَاءَمَةُ وٱلْوَزْنُ كَٱلْغَايَةِ؛ وٱلْفَاعِلِيُّ يُفْهَمُ اِلْتِزَامًا، إِذْ لَا تَأْلِيفَ إِلَّا بِمُؤَلِّفٍ. /۱۹/ وأَيْضًا قَوْلُهُ : ”عِلْمٌ“ كَٱلْجِنْسِ وبَاقِي ٱلْقُيُودِ كَٱلْفَصْلِ أَوِ ٱلْخَاصَّةِ ٱلْمُمَيَّزَةِ؛ ويَحْتَرِزُ بِقَوْلِهِ : /۲۰/ ”يُعْرَفُ مِنْهُ كَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ ٱلنَّغَمَاتِ“ عَنْ سَائِرِ ٱلْعُلُومِ* يَقصد الكاتب هنا أنّ من فضائل علم الموسيقى معرفة كيفيّة تأليف النّغماتِ (رغم تشعُّبِه، لاشتماله على العلل الأربعة). .
أَمَّا قَوْلُهُ : ”لِيَكُونَ كَذَا وكَذَا“ لِتَدْخُلَ /۲۱/ فِيهِ جُمْلَةُ أَقْسَامِ ٱلْعِلْمِ، إِذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَنَّيْنِ، فَنُّ ٱلتَّأْلِيفِ وفَنُّ ٱلْإِيقَاعِ. ومِنْ فَنِّ ٱلتَّأْلِيفِ /۲۲/ يُعْرَفُ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَجِبُ أَنْ تُؤَلَّفَ ٱلنَّغَمَاتُ حَتَّى تَكُونَ مُلَائِمَةً، ومِنْ [فنِّ] ٱلْإِيقَاعِ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ /۲۳/ نِسَبٍ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَزْمِنَةُ مَا بَيْنَهَا حَتَّى يُحْكَمُ [أو يَحْكُمَ] ٱلطَّبْعُ ٱلسَّلِيمُ بِاِسْتِقَامَتِهَا.