أنيس العقربي
متابعة مختلف المعطيات

رسالة الفتحيّة في الموسيقيّ

محمّد بن حامد (محمّد بن عبد الحميد) اللّاذقي

  • دار الكتب الوطنيّة - تونس (تونس) :  4885
    • بداية النصّ : الحمد للّه الّذي أذاقنا حلاوة ألحان عنادل ورد جماله... وبعد فيقول العبد الفقير محمّد بن عبد الحميد اللّاذقي
    • آخر النصّ : وإن كان الدّخول على النّغمة مقدّما يسمّى ذلك بعد وإن كان بالعكس يسمّى قبل
  • مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة - قصر « النّجمة الزّهراء » - سيدي بوسعيد (تونس) :  118 (محمد بن عبد الحميد اللّاذقي)

    خطّ مغربي حديث

    • بداية النصّ : الحمد للّه الّذي أذاقنا حلاوة ألحان عنادل ورد جماله... وبعد فيقول العبد الفقير محمّد بن عبد الحميد اللّاذقي
    • آخر النصّ : وإن كان الدّخول على النّغمة مقدّما يسمّى ذلك بعد وإن كان بالعكس يسمّى قبل
  • دار الكتب المصريّة - القاهرة (مصر) : fj 364
  • المكتبة البلديّة - اسطنبول (تركيا) : Ms. K. 23
  • المتحف البريطاني - لندن (بريطانيا العظمى) : Ms. Or. 6629
  • مكتبة المتحف العراقي (دار صدام للمخطوطات سابقا) - بغداد (عراق) :  1125
    • بداية النصّ : الحمد للّه الّذي أذاقنا حلاوة ألحان عنادل ورد جماله... وبعد فيقول العبد الفقير محمّد بن عبد الحميد اللّاذقي
  • مكتبة المتحف العراقي (دار صدام للمخطوطات سابقا) - بغداد (عراق) :  5998/4

    نسخة مصورة عن نسخة أبراهيم فصيح الحيدري

  • مكتبة المتحف العراقي (دار صدام للمخطوطات سابقا) - بغداد (عراق) :  39872
  • دار الكتب والوثائق - (عراق) :  5504
  • مكتبة المشهد الرضوي - مشهد (إيران) :  ج 3
  • دار الكتب المصريّة - القاهرة (مصر) :  fj7
  • دار الكتب المصريّة - القاهرة (مصر) :  fj21

محتوى النصّ

  • التقديم
  • الفصل الأوّل: المقدمة

التقديم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذَاقَنَا حَلَاوَةَ أَلْحَانَ عَنَادِلَ وَرْدَ جَمَالِه فِي دَوائِر رَوْضَاتِ الغَبْرَاءِ بِكَمَالِ قُدْرَتِه وَرَأْفَتِه وَأَعَدَّ لَنَا شُعْبَةَ أَشْجَارِ مَحَبَّتِهِ فِي أَبْعَادِ طَبَقَات جَنَّاِت الخَضْرَاءِ بِجَلَالِ عَظَمَتِه وَسَطْوَتِه. وَأَجْلَى كَدُورَاتِ قُلُوبِ الْأحْبَأ بِصَيَاقِلَ سَمَاع زَمْزَمَةِ النَّغَمَاتِ وَإِيقَاعِ النَّقَرَاتِ كَمَا أَحْيَ الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ عَنْ شَدَائِد الشِّتَاءِ بِإِرْسَال آثَارِ الرَّبِيعِ الَّتِي تُحْيِي للْأَمْوَاتَ. وَالصَّلوَةُ عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ مُحَمَّدٍ الَّذِي كَانَ مَقَامُ عشاقه فِي الْحِجَازِ وَالْعِرَاق مَحْمُودًا، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الذِيْنَ صَارَ حَال تَابِعِيٌّ قَوْلَهِم وَعَمَلَهُم فِي الدَّارَينِ مَسْعُودًا.

وَبَعْدُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مُحَمَّدٌ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ اللاَّذِقِي الْحَقِيرُ، غَفَرَ ذُنُوبَهُمَا بِلُطْفِ الْغَفَّارِ الْبَصِيرِ، وَسَتَرَ عُيُوبَهُمَا بِسِتْرِ السَّتَّارِ الْخَبِيرِ:« لَمَّا رَأَيْتُ أَنْ أَشْرَفَ الرِّيَاضِيَّاتِ هُوَ الْعِلْمُ الْمَوْسُومُ بِالْمُوسِيقِي، مِنَ الوَضِيعِ وَالرَّفِيعِ مِنْ عِبَادِ الْخَالِقِ الْحَقِيقِيّ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِنَا هَذَا مَوْرِدَهُ شَافِيًا عَن اِلْتِهَابِ الْأَكْبَادِ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى سِينِه وشِينِهِ وَالْعُثُورِ عَلَى غَثِّهِ وسَمِينِهِ بِنَأ عَلَى وُقُوعِهِ فِي أَيْدِي جَمَاعَةٍ لَا يَرْتَفِعُ غِشَاوَةُ التَّعَصُّبِ عَنْ بَصَائِرِهِمْ، حَتَّى يَرْتَسِمَ حَقَايِقَهُ وَدَقَايِقَهُ فِي طِبَاعِهِمْ وَضَمَائِرَهُمْ، يَحُومُونَ فِي الحَقِيقَةِ حَوْلَ الْقِيلِ وَالْقَالِ فَلَا يَنْكَشِفُ لَهُمْ وُجُوهَ حَقِيقَةِ الْحَالِ عَنْ قِنَاعِ الْمَقَالِ، بَعَثَنِي صِدْقَ الْهِمَّةِ إِلَى أَنْ أَجْمَعَ فَرَائِدَ الْأَفْكَارِ عَنْ مَطَارِحِ الأَنْظَارِ، وَأُحَرِّرُ رِسَالَةً جَامِعَةً لِغُرَرِ فَوَائِدِه ، وَنُكَتِ مَسَائِلِه الْمَرْوِيَّةِ عَنْ قُدَمَأ الْحُكَمَاءِ الْأَخْيَارِ، وَحَاوِيَةً لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِيقَاعِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْأَلْحَانِ، عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ الْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ، خِدْمَةً لِسُدَّةِ مَنْ أَنْسدَ بِهَيْبَتِهِ هُجُومُ الْكَفَرَةِ وَالْمُشْرِكِينَ، أَنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ، وَأَنْشَدَ سَلاَسِلَ صَوْلَتِهِ عَلَى أَعْنَاقِ الْفَجَرَةِ والمُذنِبِينَ. وَمَحَا آثَارَ الْجُورِ وَالظُّلْمِ وَالِاعْتِسَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَفَع رَايَاتِ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ فِي الْآفَاقِ، وَنَصَب آيَات الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَامْتَثَل بِنَصِّ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فَانْتَشَرَ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ مَشَارِقِ مَعْدِلَتِهِ أَنْوَارُ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ. هُوَ الَّذِي خَصَّ مِنْ اللَّهِ تَعَاَلَى بِالنَّفْسِ الْقُدُسِيَّةِ، وَجَمَع جَمِيعَ الْفَضَائِلِ والكَمَالاَتِ الْإِنْسِيَّةِ، فانْقَادَ لِطَبْعِهِ الْوَقَّادُ حَقَايِقَ مَكْنُونَاتِ الأَنْظَارِ. وَانْكَشَفَ لِذِهْنِهِ النَقَادُ دَقَايِقِ مَسْتُورَاتِ الْأَسْرَارِ. وَأَصْبَحَ تَحَارِير علمأ الْأَمْصَارِ فِي عَهْدِهِ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلَيْن. وَأَسْنَى جَمَاهِيرَ فُضَلَاء الْأَعْصَارَ فِي عَصْرِهِ عَلَى فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخَرِينَ تُعْرَفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، وَصَارَ كَرَمُ كَرَمِهِ مَرْتَعًا لِلْقَاصِي وَالدَّانِي، ومُشْبِعًا لِلْأَوَّلِ كَالثَّانِي، وَطَفِقَ عَدُوَّهُ تَحْتَ رَجُلٍ خَيْلُهُ ذَلُولًا، وَعَظْمَةُ ذَاتِهِ الشَّرِيف لَا يَبْلُغُ لَهَا الْجِبَالُ الفِطَام عَرْضًا وَ طُولًا، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ الْمُتَكَبِّرِينَ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَمَنْ عَصَاهُ مِن الْمُتَجَبِّرِين. قَالَ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهُ، ألَا وَهُوَ سُلْطَانُ سَلَاطِينِ الزَّمَانِ، مُسْتَعْبَدًا خَوَاقِينَ الدَّوَرَانِ، نَاظِمٌ مُنَاظِمُ أُمُورِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، مُسْتَخْدِمُ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ، الْمُؤَيِّدِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْمُوَفِّقُ لِإِعْلَأ كَلِمَةِ اللَّهِ فِي دِيَارِ الْكُفَّارِ السُّلْطَانُ ابْنُ السُّلْطَانِ السُّلْطَانُ بَايَزِيد ابْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ خَان خَلَّدَ اللَّهُ مُلْكُهُ وَسُلْطَانَهُ مَا دَارَ الْفُلْكُ الدَّوَّارُ، وَأَفَاضَ عَلَى الْبَرَايَا بَرّهُ وَإِحْسَانِه مَا سَارَ الْكَوْكَبُ السَّيَّارُ، وَمَا بَرِحَتْ مَقَالِيدُ الأُمُورِ كاعنة الخُيُولِ بِيَدَيْه. ورِقَابُ الْأَعَادِي مُذَلِّلَةً تَحْتَ قَدَمَيْهِ. اللَّهُمَّ كَمَا رَفَعَتَ بِهِ سَلَالِيمَ الْإِسْلَامِ فَارْفَعِ دَرَجَتَهُ فِي غَرَف دَارِ السَّلَامِ وَارْبِطْ أطْنَابَ سَلْطَنَتِه بِأَوْتَادِ الْخُلُودِ وَالدَّوَامِ. وَأَبَّد ظِلَالِه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَوْنًا لِدِيْنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. شعر:

وَهَذَا دُعَأ لَا يُرَدُ فإنَّهُ صَلَاحٌ لأَصْنَافِ الْبَرِّيَّةِ، شَامِلٌ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ وُفُورِ رَأْفَتِهِ وَكَمَالِ مَرْحَمَتِهِ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْمَجَلَّةُ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ غَايَةُ الْمَأْمُولِ وَنِهَايَةُ الْمَسْؤُولِ.

وَلَمَّا كَانَ فَتْحُ مُغْلَقَاتُ أَبْوَابِهَا وَاقِعًا فِي أَزْمِنَةِ أَوَائِل فُتُوحِ سُلْطَانِ زَمَانِنَا سَمِيَّتُهَا بِالفَتْحِيَّه مُنَاسَبَةٌ لِاسْمِ مَا أَخَذَهَا شَرَفِيَّه . وَاَللَّهُ مُعْطِي الْعَطَايَا الْعَلِيَّه ، بِفَضْلِه وَقُوَّتِه الْقَوِيَّه ، وَرَتَّبْتُهَا عَلَى مُقَدِّمَةٍ وطَرَفَيْنِ، بِتَوْفِيقٍ مِنْ اللَّهِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ .

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِيهَا فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: - الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أُمُورٍ سِتَّةٍ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْمُوسِيقَى وَمَا يَسْتَدْعِيه تَعْرِيفَهُ. وَمِنْهَا مَوْضُوعَهُ وَمِنْهَا وَاضِعَهُ وَمِنْهَا غَايَتَهُ وَمِنْهَا شَرَفَهُ وَمِنْهَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ. - الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْمَبَادِي الطَّبِيعِيَّةِ لِلْفَنِّ. - الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمَبَادِي الْعَدَدِيَّة والهَنْدَسِيَّةِ لَهُ. الطَّرَفُ الْأَوَّلُ فِي عِلْمِ التَّأْلِيفِ وَفِيهِ خَمْسُ مَقَالَات: - الْمَقَالَةُ الْأُولَى: فِي تَقْسِيمِ الدَّسَاتِينِ وَمَبَاحِثِ الْأَبْعَادِ الْمُلَاِيِمَةِ وَنِسَبُهَا الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ مَقَادِيرِ أَوْتَارِهَا. - الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ: فِي إضَافَاتِ الْأَبْعَادِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَفَصْلُهَا وتَصْنِيفُهَا وَتَثْلِيثُهَا وَتَرْبِيعُهَا. - الْمَقَالَة الثَّالِثَةُ: فِي التَّأْلِيفِ الْمُلَايمِ مِنَ الْأَبْعَادِ الصِّغَارِ اللَّحْنِيَّةِ وَأَسْبَابُ التَّنَافُرِ. - الْمَقَالَة الرَّابِعَةُ: فِي الْأَدْوَارِ الْمَشْهُورَةِ وَتَشَارُكِ نَغَمِهَا وَطَبَقَاتِهَا عَلَى الْإِجْمَالِ وَالأَوْزَانِ السِّتَّةِ وَالْشُعَبِ عَلَى رَأْيِ الْقُدَمَأ وَالِاصْطِحَابِ الْمَعْهُودِ بَيْنَ الْأَوْتَارِ. - الْمَقَالَةُ الْخَامِسَةُ: فِي الْأَلْحَانِ الْمُسْتَعْمِلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي زَمَانِنَا هَذَا وتَأْثِيرَاتُهَا بِحَسَبِ خُصُوصِيَّاتُ الْأَشْخَاصِ وَالْأَوْقَاتِ. الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي عِلْمِ الْإِيقَاعِ: وَفِيهِ ثَلَاثُ مَقَالَاتٍ: - الْمَقَالَةُ الْأُولَى: فِي أَحْوَالِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ وَأَسَامِيهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهَا . - الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ: فِي أَنْوَاعِ الْإِيقَاعِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. - الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ: فِي أَنْوَاعِ الْإِيقَاعِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

الفصل الأوّل: المقدمة

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِيهَا فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أُمُورٍ سِتَّةٍ مِنْهَا: تَعْرِيفُ الْمُوسِيقَى وَمَا يَسْتَدْعِيهِ: تَعْرِيفُهُ: الْمُوسِيقى عِلْمٌ رِيَاضِيٌّ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ النَّغَمِ مِنْ حَيْثُ الِاتِّفَاقِ وَالتَّنَافُرِ وَأَحْوَالِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ النَّقَرَاتِ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنِ وَعَدَمِهِ لِيَحْصُلَ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ تَأْلِيفِ اللَّحْنِ هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ فِي شِفَائِهِ.( ) إلَّا أَنْ لَفْظَةَ بَيْنَ النَّقَرَاتِ غَيْرُ وَاقِعَةٍ فِي كَلَامِهِ بَلْ الْوَاقِعُ فِي عِبَارَتِهِ لَفْظَةُ بَيْنَهَا أَيْ بَيْنَ النَّغَمِ الْحَاصِلَة مِنَ النَّقَرَاتِ. وَلَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُشْعِرَةً بِكَوْنِ الْبَحْثِ عَنِ الْأَزْمِنَة الْمُتَخَلِّلَةِ مَخْصُوصًا للأَزْمِنَةِ الَّتِي تَكُونُ نَقَرَاتُهَا مُنَغَّمَةً فَقَطْ. وَالْحَالُ أَنَّ الْبَحْثَ عَامٌ بَيْنَ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَكُونُ نَقَرَاتُهَا مُنَغَّمَةً وَ تَكُونُ سَاذِجَةً عَدَلْنَا عَنْهَا. والرِّيَاضِيّ عِلْمٌ بَاحِثٌ عَنْ أُمُورٍ مَادِّيَّةٍ يُمْكِنُ تَجْرِيدُهَا عَنْ الْمَادَّةِ فِي الْبَحْثِ. اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ مُقَسِّمِ الشَّيْءِ وَقِسْمَةُ مِمَّا يُوجِبُ زِيَادَةَ انْكِشَافِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ الْمُقَسَّم وَالْأَقْسَام هَاهُنَا. فَنَقُول: إنَّ الْعِلْمَ الْإِلَهِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ والرِيَاضِيّ أَقْسَامٌ لِلْحِكْمَةِ النَّظَرِيَّةِ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا وَهُوَ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ الَّذِي لَا دَخْلَ لَنَا فِي وُجُودِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: - مَا لَا يَحْتَاجُ إلَّا الْمَادَّةِ أَصْلًا أَيْ لَا فِي الْوُجُودِ وَلَا فِي الْبَحْثِ كَالمُفَارَقَاتِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّه . وَالثَّانِي: - مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا أَيْ فِي الْوُجُودِ وَالْبَحْثِ مِثْلَ الْأَجْرَامِ الْفَلَكِيَّةِ وَالعُنْصُرِيَّةِ. وَالثَّالِثُ: - مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْوُجُودِ لَا فِي الْبَحْثِ كَالْجِسْم الْكَري وَالْمُثَلَّثِ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنَّ الْبَحْثَ عَنْ أَحْوَالِهِمَا مَثَلًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُلَاحَظَةٍ تَحَقُّقِهِمَا فِي الْخَشَبِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوَادِ. فَالْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ يُسَمَّى بِالْعِلْم الْإِلَهِيّ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ أَشْرَف أَجْزَائِه، وَبِالعِلْمِ الْأَعْلَى لِتَنَزُهِهِ عَنِ الْمَادَّةِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا مُطْلَقًا. وَالْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي يُسَمَّى بِالْعِلْم الطَّبِيعِيّ لِأَنّ لِمَبَاحِثِهِ تَتَعَلَّقُ بِالطَّبِيعَةِ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْآثَارِ وَبِالعِلْمِ الْأَدْنَى لِافْتِقَارِهِ مُطْلَقًا إلَى الْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ. وَالْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالثَّالِثِ يُسَمَّى بِالرِيَاضِيّ لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِ الْحُكَمَاءِ أَنْ يَرْتَاضُوا بِهِ فِي مَبْدَأ تَعَالِيمِهِمْ إلَى صِبْيَانَهُم وَلِهَذَا يُسَمَّى عِلْمًا تَعْلِيمِيًّا أَيْضًا. وَبِالعِلْمِ الْأَوْسَطِ لِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَادَّةِ وَبَيْنَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا لِافْتِقَارِه مِنْ وَجْهٍ وَعَدَمُ افْتِقَارِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَه أُصُول وَلِكُلٍّ مِنْهَا فُرُوعٌ. وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ تَعْرِيفَاتِهَا عَلَى الْإِجْمَالِ لَايِقًا فِي كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ أَرَدْنَا ذِكْرَهَا. فَاعْلَمْ أَنَّ أُصُولَ الرِّيَاضِيّ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: - عِلْمِ الهَنْدَسَةِ: وَهُوَ عِلْمُ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ مِنْهَا الْأَحْوَالُ الْعَارِضَةُ لِلْكَمِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمٌ. وَمِنْ فُرُوعِهِ عِلْمُ اِّتِخًاذُ الٱلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّسَبِ المِقْدَارِيَّةِ وَالعَدَدِيَّةِ يُعْرَفُ بِهَا اتِّخَاذُ كَيْفِيَّةِ اتِّخَاذِ أَيْ آلَةٍ أُرِيدُ اتِّخَاذَهَا بِحَسَبِ السُّهُولَة. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْفَرْعِ عِلْمُ الْوَزْنِ وَالْمَوَازِينِ: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا كَيْفِيَّةُ اتِّخَاذِ الْآلَاتِ الأَوْزَانِيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اِتِّزَانِ الْمَوْزُونَاتِ بِطَرِيقِ السُّهُولَةِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْهَنْدَسَةِ أَيْضًا عِلْمُ الْمَنَاظِرِ: وَهُوَ عِلْمُ بِقَوَانْينَ يُعْرَفُ بِهَا أَحْوَالُ الْمَحْسُوسَاتِ الخَارِجِيَّة وَكَيْفِيَّةِ اخْتِلَافَاتِهَا فِي الرُّؤْيَةِ بِحَسَبِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْهَنْدَسَةِ أَيْضًا عِلْمُ المَرَايَا: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ تُعْرَفُ بِهَا كَيْفِيَّةُ اخْتِلَافَاتِ الْأَبْصَارِ لِلْأَشْيَأ الْمَرْئِيَّةِ فِي المَرَايَا - بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَشْكَالِ تِلْكَ المَرَايَا - مِنَ التَدْوِيرِ وَالتَّثْلِيثِ وَالَمَخْرُوطِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِاخْتِلَافِ الْأَبْصَارِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْهَنْدَسَةِ أَيْضًا: عِلْمُ الحِيَلِ وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ مُتَّخِذَةٌ مِنْ النِّسَبِ المِقْدَارِيَّةِ وَالعَدَدِيَّةِ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اتِّخَاذِ أُمُورٍ صَعْبَةٍ غَرِيبَةً مُتَعَذِّرَةٌ الْحُصُولِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْفَرْعِ عِلْمُ جَرِّ الْأَثْقَالِ: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا تَحْرِيكُ الْأَشْيَاءِ الثَّقِيلَةِ عَلَى وَجْهِ السُّهُولَة. وَمِنْ فُرُوعِ عِلْمِ الحِيَلِ أَيْضًا نَقْلُ الْمِيَاهِ: وَهُوَ عِلْمُ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا كَيْفِيَّةُ نَقْلُ الْمِيَاهِ إلَى أَيِّ مَوْضِعٍ أُرِيدُ عَلَى وَجْهِ السُّهُولَة. الثَّانِي: عِلْمُ الْهَيْئَةِ: وَهُوَ عِلْمٌ يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ الْأَجْرَامِ الْبَسِيطَةِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ كِمِيَّاتِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا وَأَوْضَاعِهَا وَحَرَكَاتِهَا اللاَّزِمَةِ لهَا. وَمِنْ فَرْعِهِ: عَلْمُ الزِيجَاتِ وَالتَقَاوِيمِ: وَهُوَ عِلْمُ يَبْحَثُ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا أَحْوَالُ الْبِلَادِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْعُرُوضِ وَسَائِر الْأَحْوَالِ الْمُعَارَضَة لِلْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ بِحَسَبِ مَا يُرَى بِالْآلَاتِ الرَّصْدِيَّةِ الْمُبِيّنِ أَحْوَالَهَا وَأَحْكَامَهَا وَكَيْفِيَّةِ اتِّخَاذِهَا فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ. الثَّالِثُ: عِلْمُ الْحِسَابِ وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ تُسْتَخْرَجُ بِهَا الْمَجْهُولَاتُ الْعَدَدِيَّةُ مِنْ مَعْلُومَاتِهَا. مِنْ فُرُوعِهِ: عَلِم الْمِسَاحَةُ: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ تُسْتَخْرَجُ بِهَا الْمَجْهُولَاتُ الْعَدَدِيَّةُ الْعَارِضَةُ لِلْكَمِّ الْمُتَّصِلِ. وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا عِلْمُ الجَبْرِ وَالْمُقَابَلَة: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ تُعْرَفُ بِهَا الْمَجْهُولَاتُ الْعَدَدِيَّةُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَنْ نَقْرُضَ الْمَجْهُولَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ شَيْئًا مُبْهَمًا وَيَعْمَلُ بِهَا الْأَعْمَالُ الْمَعْلُومَةُ لِذَلِكَ الْمَجْهُولِ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ أَوْ مِنَ الْقَوَاعِدِ الحِسَابِيَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ مُسَاوَاتُه لِشَئ آخَرَ وَيُعْلَمَ مِنْهُ الْمَجْهُولُ بِخُصُوصِهِ. وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا: عِلْمُ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ: وَهُوَ عِلْمٌ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا حَالُ الْمَجْهُولِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِعَدَدَيْنِ. الرَّابِعُ: عِلْمُ الْمُوسِيقَى: وَقَدْ سَمِعْتُ تَعْرِيفُه أَوَّلًا. وَمِنْ فُرُوعِهِ كَيْفِيَّةُ اتِّخَاذِ أَيْ آلَةٍ أُرِيدُ مِنَ الْآلَاتِ المُوسِيقَارِيَّةِ مِثْلُ الْآلَةِ الْمُسَمَّى بِارْغَنُونٍ وَعُودٍ وَغَيْرِهِمَا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ فُرُوعِ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَلِنَرْجَعْ إلَى مَا نَحْنُ فِيه. اعْلَمْ أَنَّ فِي تَعْرِيفِ النَّغَمَةِ اخْتِلَافَاتٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْفَنِّ لَكِنَّ التَّعْرِيفَ الْمَرْضِيَّ عِنْدَ صَاحِبِ الْأَدْوَارِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأُرْمَوِيِّ هُوَ تَعْرِيفُ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ أَبِي نَصْرٍ الْفَارَابِيّ كَمَا قَالَ:« النَّغَمَةُ صَوْتٍ وَاحِدٍ لاَبِثٌ زَمَانًا ذَا قَدْرٍ مَحْسُوسٍ فِي الْجِسْمِ الَّذِي فِيهِ يُوجَدُ.» وَالزَّمَانُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَحْسُوسِ الْقَدْرِ لِصِغَرِهِ فَلَا مَدْخَلَ لِلْبَحْثِ وَالتَّقْدِيرِ فِيهِ. وَالصَّوْتُ اللاَّبِثُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يُسَمَّى نَغْمَةً. وَقَدْ يَكُونُ مَحْسُوسَ الْقَدْرِ فَيُمْكِنُ الْبَحْثُ وَالتَّقْدِيرِ فِيهِ. وَالْقَوْمُ قَدَّرُوا أَقَلَّ الْمَرْتَبَةَ لِمَحْسُوسِيَتِهِ فِي زَمَانٍ يَقَعُ بَيْنَ حَرْفَيْن مُتَحَرِّكَيْن مَلْفُوظَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِدَالِ وَسَمَّوْا ذَلِكَ زَمَانٌ بِزَمَانِ (أ) وَسَيَأْتِي لَكَ تَفَاصِيلُ هَذَا الْمَقَامِ فِي بَحْثِ الْإِيقَاعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَظَهَرَ لَنَا مِنْ تَعْرِيفِ الْمُوسِيقَى أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى بَحْثَيْنِ: أَحَدُهُمَا – الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ النَّغَمِ أَنْفُسِهَا. وَثَانِيهُمَا – الْبَحْثُ عَنْ الْأَزْمِنَة. وَالْعِلْم الْمُشْتَمِلُ بِالْأَوَّلِ يُسَمَّى عِلْمُ التَّأْلِيفِ. وَالْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ بِالثَّانِي يُسَمَّى عِلْمُ الْإِيقَاعِ. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَبَادٍ مِنْ عُلُومِ أُخَرٌ كَمَا سَيَأْتِي. أَمَّا الْغَايَةُ وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ فَهِي حُصُولِ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ تَأْلِيفِ الْأَلْحَانِ. وَالْأَلْحَانُ: جَمْعُ لِلَّحْنِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ. وَقِيلَ هُوَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ الْمُطْرِبَةُ، وَفِي عُرْفِهِمْ: جَمَاعَةُ نَغَمٍ مُخْتَلِفَةٌ الْحِدَّةِ وَالثِّقَلِ رُتِّبَتْ تَرْتِيبًا مُلَايِمًا. وَقَدْ يُقَالُ رُتِّبَتْ تَرْتِيبًا مُلَايِمًا وَقُرِنَتْ بِهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مُحَرِّكَةٍ لِلنَّفْسِ تَحَرُّكًا مُلِذًّا، وَعَلَى هَذَا مَا يَتَرَنَّمُ بِه الْخُطَبَأ وَالْقُرَّأ يَكُونُ لَحْنًا أَيْضًا بِخِلَافِ التَّعْرِيفِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا يُقَالُ : وَقُرِنَتْ بِهَا أَلْفَاظٌ مَنْظُومَةٌ مَظْرُوفَه فِي أَزْمِنَةٍ مَوْزُونَة. فَالتَّعْرِيفُ الْأَوَّلِ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي اشْتَرَطَ مُقَارَنَتِهَا لِجَمَاعَةِ النَّغَمِ إذَا كَانَتْ شِعْرًا وَدَالَةً عَلَى مَعَانٍ مُحَرَّكَةً حَالَةَ كَوْنِهَا مَظْرُوفَه فِي أَزْمِنَةٍ مَوْزُونَة يَتَحَقَّق التَّعْرِيفَان مَعًا. أَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ غَيْرُ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانٍ مُحَرَّكَةٍ وَكَانَتْ شِعْرًا مَظْرُوفًا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَوْزُونَةِ ، يَتَحَقَّق التَّعْرِيفُ الثَّالِثُ بِدُون الثَّانِي. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَلْفَاظ الْمَقْرُونَةُ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمُحَرِّكَةِ وَلَمْ تَكُنْ شِعْرًا مَظْرُوفًا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَوْزُونَةِ، يَتَحَقَّق التَّعْرِيفُ الثَّانِي بِدُونِ الثَّالِثِ. وَالتَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ مَرْضِي لِشُمُولِهِ وَعُمُومِهِ . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِي مِنْ أَنَّ:«اللَّحْنَ جَمَاعَةُ نَغَمٍ مُخْتَلِفَةُ الْحِدَّةِ وَالثِّقَلِ رُتِّبَتْ تَرْتِيبًا مَحْدُودًا» فَهُو التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْمَحْدُودِ المَحْدُودِ الْمُلَايِمِ بِنَاءٌ عَلَى شُهْرَةِ الْمُبَايَنَةِ بَيْنَ الْجَمْعِ المُتَنَافِرِ وَاللَّحْنِ فَيَكُونُ حَذْفُ قَيد الْمُلَايَمَةِ اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ مِنْ الْمَشْهُورِ مَا هُوَ مُرَادُ الشَّيْخِ الْكَامِلِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَ صَاحِبُ الْأَدْوَار عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأُمَوِيُّ فِي الشَّرَفِيَةِ وَخَوَاجَهْ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ غَيْبِي الْحَافِظِ الْمَرَاغِيّ فِي كُتُبِهِ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الشَّيْخِ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الْجَمْعِ المُتَنَافِرِ فِيه. وَمِنْهَا: مَوْضُوعُهُ: وَهُوَ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِهِ شَيْئَان: - أَحَدُهُمَا: النَّغَمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مُلَايِمَة وَغَيْرُ مُلَايِمَة وَهُوَ مَوْضُوعُ عِلْمُ التَّأْلِيف. - وَثَانِيهِمَا: الْأَزْمِنَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ النَّقَرَاتِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَوْزُونَةٌ وَغَيْرُ مَوْزُونَةٍ وَهُوَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْإِيقَاعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَوْضُوعُهُ النَّغَمُ مِنْ حَيْثُ يَعْرِضُ لَهَا التَّأْلِيف. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: مَوْضُوعُهُ النَّغَمُ مِنْ حَيْثُ يُعْرَضُ لَهَا نِسَبٌ عَدَدِيَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّأْلِيفِ وَمَالُهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَا فُهِمَ مِنْ التَّعْرِيفِ. وَمِنْهَا وَاضِعُهُ: اِتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ وَاضِعَ هَذَا الْفَنِّ أَوَّلًا فِيثَاغُورَسْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ تلاميذ سُلَيْمَان (ع م). وَرَأَى فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةٍ أَنَّ شَخْصًا يَقُولُ لَهُ يَا فِيثَاغُورَسْ قُمْ فَاذْهَبْ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الْفُلَانِيّ. حَصَل عِلْمًا غَرِيبًا، فَذَهَبَ مِنْ غَدٍ كُلٍّ مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ إلى ذَلِك السَّاحِلِ وَبَالِغَ فِي الصَّبْرِ هُنَاكَ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ عِلْمًا، وَلَمَّا عَلِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ مِمَّا يُؤْخَذُ جُزَافًا تَفَكَّر كَثِيرًا وَكَانَ هُنَاكَ جَمْعُ مِنْ الْحَدَّادِينَ يَضْرِبُونَ الْمَطَارِقِ عَلَى وَجْهٍ مُتَنَاسِبٍ فَذَهَبَ خَاطِرَهُ إلَيْهِ وَتَأَمَّلَ فِي تِلْكَ المُنَاسَبَاتِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ وَقَصَدَ أَنْوَاعَ مُنَاسَبَاتِ بَيْنَ الْأَصْوَاتِ، وَلَمَّا حَصَلَ لَهُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لَهُ بِتَفَكُّرٍ كَثِيرٍ وَفَيْضٍ رَبَّانِيّ صَنَعَ ٱلَةً وَشَدَّ عَلَيْهَا أَبْرِيسَهما وَأَنْشَدَ شِعْرًا فِي تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وَتَرْغِيبِ الْخَلْقِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ. وَكَانَ يَنْشُدُهُ عَلَى الْخَلْقِ بِتِلْك الْآلَة مُعَزَّزَةٌ بَيْنَ الْحُكَمَأ وَمُسْتَعْمَلَةٌ اسْتِعْمَالًا كَثِيرًا. ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ صَارَ حَكِيمًا مُحَقِّقًا عَارِفًا وَاصِلًا بَالِغًا فِي الرِّيَاضَةِ الْمُجَاهَدَةِ بِصَفَأ جَوْهَرَهِ إلَى مَا مَأْوَى الْأَرْوَاحِ وَسِعَةِ السَّمَاوَاتِ. وَكَانَ يَقُولُ إنِّي أَسْمَعُ نَغَمَاتٍ شَهِيَّة وَأَلحَانَاتٍ بَهَيَّةٍ مِنَ الْحَرَكَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَتَمَكَنَت تِلْكَ النَّغَمَاتُ فِي خَيَّالِي وَضَمِيرِي. فَوَضَع قَوَاعِدِ هَذَا الْعِلْمِ، وَأَضَافَ بَعْدَهُ الْحُكَمَأ مُخْتَرَعَاتِهِمْ إلَى مَا وَضَعَهُ إلَى أَنْ انْتَهَتْ النَّوْبَةُ إِلَى ارِسْطَاطَالِيسْ فَتَفَكَّرَ تَفَكُّرًا كَثِيرًا أَيْضًا فَصَنَعَ الأرْغَنُونْ وَهُوَ ٱلَه لِلْيُونَانِيينَ تَعْمَلُ مِنْ ثَلَاثِ زِقَاقٍ كِبَارٍ مِنْ جُلُودِ الْجَوَامِيسِ. يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُرَكِّبَ عَلَى رَأْسِ الأَزُقِ الْأَوْسَطِ زِقٌّ كَبِيرٌ آخَرَ. ثُمَّ يَرْكَّبُ عَلَى هَذِهِ الزِّقَّاق أَنَابِيبٌ لَهَا ثُقْبٌ عَلَى نِسَبٍ مَعْلُومَةِ يَخْرُجُ مِنْهَا أصْوَاتٌ طَيِّبَةٌ مُطْرِبَةٌ عَلَى حَسَبِ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَكَان غَرَضَهُمْ مِنْ اسْتِخْرَاجِ قَوَاعِدِ هَذَا الْفَنِّ تَأْنِيسَ الْأَرْوَاحِ وَالنُّفُوسِ النَّاطِقَةِ إلَى عَالَمِ الْقُدُسِ لَا مُجَرَّدَ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ. فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ يَظْهَرُ فِيهَا بِاسْتِمَاعِ وَاسِطَةِ حُسْنُ التَّأْلِيفِ وَتَنَاسُبِ النَّغَمَاتِ بَسَط فَتَتَذَكَّرُ مُصَاحَبَةَ النُّفُوسِ الْعَالِيَةِ وَمُجَاوَرَةَ الْعَالِمَ الْعُلْوِيِّ وَتَسْمَعُ نِدَاءَ ارْجِعِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الغَرِيقَةُ فِي الْأَجْسَامِ الْمُدْلَهِمَّةِ المُنْغَمِسَةِ فِي فُجُورِ الطَّبْعِ إلَى الْعُقُولِ الرُّوحَانِيَّة وَالذَّخَائِرِ النُورَانِيَّةِ وَالْأَمَاكِنَ القُدسَانِيَّةِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. وَمِنْهَا: غَايَتُهُ: وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ تَأْلِيفِ الْأَلْحَانِ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهَا شَرَفُهُ: و تَدُلُّ عَلَيْهِ أَشْيَاءٌ ثَلَاثَةٌ: - الْأَوَّلُ: وِثَاقَهُ بَرَاهِينَهِ لِأَنَّ بَعْضُهَا مِنَ الْحِسَابِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْهَنْدَسَةِ اللَّذَينِ قِيلَ فِي حَقِّهِمَا هُمَا أَقْوَى الْعُلُوم بُرْهَانًا. وَبَعْضُهَا مِنْ الْقَضَايَا الْمُتَعَارِفَةِ الْوَاجِبَةِ الْقَبُولِ. - الثَّانِي: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَحْسِينِ الصَّوْتِ فِي قَرْأَةِ الْقُرْآنِ. قَالَ النَّبِيُّ ع م :« زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْت الْحَسَن يَزِيد فِي الْقُرْآنِ حُسْنًا.» . وَقَالَ ع م :« لِكُلِّ شَيْءٍ حِلْيَةٌ. وَحِلْيَةُ الْقُرْآنِ الصَّوْتٌ الْحَسَنُ.». وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :« اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ. » . إذْ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ التَّحْسِينُ الْوَاجِبُ مِنَ الْعُلُومِ إلَّا هَذَا الْعِلْمُ. وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّحْسِينُ عَارِيًّا عَنْ تَغَيُّرِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَإِلَّا يَكُونُ التَّحْسِينُ مَمْنُوعًا بِمَنْعٍ شَرْعِيٍّ. الثَّالِثُ: مِثْلَ مَا حَكَى أَنَّهُ كَانَ شَخصَانِ يَحْقِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ حِقْدا قَدِيمًا قَدِ اجْتَمَعَا فِي مَجْلِسِ الْخَمْر. وَلَمَّا أَدْرَكَهُمَا السُّكْر تَحَرَّكَ حِقْدُهُمَا فَقَصَد كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَتْلِ الْآخَرَ وَكَانَ المُوسِيَقا أَيْ الْمُطْرِبُ حَاذِقًا فَغَيَّرَ النَّغَمَةَ وَصَرَفَهَا إلَى مَا يَسْكُنُ الْحِقْدَ والضُغنَ. فَطَابَا قَلْبًا وَتَعَانَقَا وَاعْتَذَرَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ بِشَرَفِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الْفَنِّ. وَمِنْهَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ: إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعِلْمِ بِلَفْظِ "مُوسِيقَى" لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ تَأْلِيفِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِهَذَا اللَّفْظِ. لِأَنَّ لَفْظَ "مُوسِى" فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّة: "النَّغَمَات". وَلَفْظُ "قِي" بِمَعْنَى الْمَوْزُونَ الْمُلِذَّ، وَلِهَذَا تُسَمَّى بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقِيلَ كي سُمِّيَ بِاسْمِ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ الَّذِي هو: "مُوسِيقَاقِيَا" لِتَنَاسُبِهِمَا فِي الشَّرَفِ، فَحُذِفَ بَعْضُ الْحُرُوفِ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ فَصَار "مُوسِيقِي" .

الفهارس

فهرست شلواح 1979: [182]

فهرست شلواح 2004: [76]

مراجع بيبليوغرافيّة

  • صفي الدّين الأرموي ، هاشم محمّد رجب (تحقيق) : الرّسالة الشّرفيّة في النّسب التّأليفيّة، وزارة الثّقافة والإعلام ، 1982.
  • صفي الدّين الأرموي ، غطاس عبد الملك خشبة (تحقيق) : كتاب الأدوار في الموسيقى، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب ، 1986.
  • أمنون شلواح : The theory of music in Arabic writings (c. 900-1900). Descriptive catalog of manuscripts in libraries of Egypt, Israel, Morocco, Russia, Tunisia, Uzbekistan, and supplement to B/X، The International Musicological Society and The In ، 2003.
  • مجهول 61 ، أنس غراب (تحقيق وترجمة) : Commentaire anonyme du Kitāb al-adwār : édition critique, traduction et présentation des lectures arabes de l'œuvre de Ṣafī al-Dīn al-Urmawī، Université Paris-Sorbonne ، 2009.
  • جون بيار لوميني : Ulugh Beg, Prince of Stars، Laboratoire d'Astrophysique de Marseille ، 2018.
  • george dimitri sawa : Musical and socio-cultural anecdotes from kitab al-aghani al-kabir، E.J.Brill ، 2019.