مهاب باللّطيّف
تحقيق

برء الأسقام، شرح القصيدة في الأنغام

مجهول 7

  • دار الكتب المصريّة - القاهرة (مصر) : MT 13/572-93
  • المكتبة الوطنيّة - برلين (ألمانيا) : Ms. Lbg. 7151-35

محتوى النصّ

  • [المقدّمة]
  • [مفاهيم عامّة : الطّرب والأنغام]
  • [الأنغام : تعريفها واستعمالاتها]
  • [أصول الأنغام وشرحها]
  • [طُرُقُ المزج بين الأنغام وعلاقتها بطبائع الإنسان الأربعة]
  • [طبائع الأخلاط الأربعة]
  • [طبائع الأنغام الأربعة]
  • [بروج الأنغام]
  • [الأركان الأصل والأخلاط والطّبائع]
  • [أبحر الأنغام والأصول الأربعة]
  • [وضع الأنغام الإثني عشر والاختلاف بين المشارقة والمغاربة]
  • [الأنغام (تحليل مُفصَّل)]
  • « وَصِيَّةُ ٱلْأُسْتَاذِ ٱلْمُصَنِّفِ »
  • [ضُروب الأنغام]
  • [خاتمة النّظم والشّرح]

[المقدّمة]

هَذِهِ بُرْءُ الْأَسْقَامِ، شَرْحُ الْقَصِيدَةِ فِي الْأَنْغَامِ، رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى مُؤَلِّفَهَا، آمِينْ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ المُبَاركِينَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

وَبَعْدُ، فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ جُمِعَتْ عَلَى قَصِيدَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بْنِ الْخَطِيبِ الْإِرْبِليِّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى الّتِي أَلَّفَهَا فِي عِلْمِ الْأَنْغَامِ وَذَلِكَ عَلَى وِفْقِ تَسْيِيرِ اللَّهِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ لِي وَلِإِخْوَانِي وَلِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : « الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ حَمْدًا يُكَافِئُ الْفَضْلَ مِنْ أَقْسَامِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التَّالِي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَالآلِ وَالصَّحْبِ وَالتِّبَاعِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى اَنْقِضَاءِ مُدَّةِ الزَّمَانِ ».

"الآلُ" : آلُ الْبَيْتِ وَمَنْ لَهُ قَرَابَةً بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ / كَأَوْلَادِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعُقَيْلٍ وَالعَبّاسِ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطّلِبِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: « آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ ». * قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمِ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ مَنْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قِيلَ وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عُقَيْلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ، [ذلك ما ذكره السّيوطيّ (1445- 1505) [حول مسألة] الْعَجَاجَةِ الزِّرْنِبِيَّةِ [في السّلالة الزّينبيّة] [في كتابه الحاوي للفتاوي]. [و]قَالَ الْمُنَاوِيُّ (1545 - 1622) فِي شَرْحِ الجَامِعِ آلُ النَّبِيِّ مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَنِعَمُ بَنُو هَاشِمَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالمُطّلِبِ، أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. الصَّاحِبُ جَمْعُهُ صَحْبٌ وَصِحَابٌ وَجَمْعُ الصَّحْبِ أَصْحَابٌ وَجَمْعُ الْأَصْحَابِ أَصَاحِبُ [وهو ما قاله] الأختريّ.

وَ"الصَّحْبُ" : جَمْعُ صَاحِبٍ وَهُوَ مَنِ اِجْتَمَعَ بِهِ مُؤْمِنًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ زَمَانٍ أَوْ مُجَالَسَةٍ أَوْ رِوَايَةٍ؛ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ الحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ، وَقَالَ فِي تَنْوِيرِ الْحَقِيقَةِ - شَرْحُ الطّرِيقَةِ لِمَوْلَانَا الشَّيْخِ مُصْطَفَى الْحَنَفِيِّ الْبُوسْنَوِيِّ : « أَصْحَابُهُ هُمُ الّذِينَ آمَنُوا مَعَ الصُّحْبَةِ وَلَوْ لِلَحظَةٍ ». كَمَا قَالَ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ بِخِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ : فَإِنَّهُمْ اَشْتَرَطُوا مُلَازَمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا. اِنْتَهَى.

وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٍ / الشِّيرَازِيِّ فِي شَرْحِ النّونيّة : « الصَّحَابِيُّ هُوَ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاِجْتَمَعَ بِهِ لَحْظَةً فَمَا فَوْقَهَا رَوَى عَنْهُ أَمْ لَمْ يَرْوِ رَآهُ أوْ لَمْ يَرَهُ ».

وَ"التِّبَاعُ" جَمْعُ "تَابِعٍ"، وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَ"الزَّمَانُ" : الْوَقْتُ لُغَةً، وَالْمُرَادُ باِنْقِضَاءِ الزَّمَانِ قِيَامُ السَّاعَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْوَقْتِ وَالزَّمَانِ : أَنَّ "الْمُدَّةَ الْمُطْلَقَةَ" اِمْتِدَادُ أَوْ حَرَكَةُ الْفَلَكِ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى مُنْتَهَاهَا، وَ"الزَّمَانُ" مُدَّةٌ مَقْسُومَةٌ إِلَى الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْاِسْتِقْبَالِ، وَ"الْوَقْتُ" الزَّمَانُ الْمَفْرُوضُ لِأَمْرٍ. اِنْتَهَى.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : « دِيبَاجَةُ الْكِتَابِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ / خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ مَحْذُوفًا -أَيْ هَذِهِ دِيبَاجَةُ الْكِتَابِ- أَوْ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ مَحْذُوفًا ». تَقْدِيرُهُ هَذِهِ مَحَلُّهَا، وَ"الدِّيبَاجَةُ" هِيَ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ؛ فَالْمَعْنَى أَوَّلٌ لِكِتَابٍ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ :

« وَبَعْـــدُ يَــــا أَخِــــي هَــــدَاكَ اللَّــــهُ...إِلَـــــى طَرِيـــــقِ رُشْـــــدٍ يَرْضَــــــاهُ ».

"الرُّشْدُ" بِالضَّمِّ، تَقُولُ رَشَدَ يَرْشُدُ رُشْدًا مِنْ بَابِ نَصْرِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ.

[مفاهيم عامّة : الطّرب والأنغام]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« فَقَـــدْ سَـــأَلْتَنِي وَكَــــرَّرْتَ ٱلطّلَــــبْ...بِنَظْــمِ مَــا يَضْــبِطُ أَنْغَــامَ ٱلطّـــرَبْ ».

* هذا البيت لا يوجد في أرجوزة الإربليّ، وإن وُجد فمكانه بعد البيت ٤ وذلك بحسب معناه.

"ٱلطّرَبُ" بِحَرَكَتَيْنِ : [حركة أولى] خِفَّةً تُعْرَضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شِدَّةِ ٱلسُّرُورِ، [حركة أخرى] أَوْ مِنْ شِدَّةِ ٱلْحُزْنِ؛ وَٱسْتُعْمِلَ [(أي الطّرب)] فِي ٱلْأَكْثَرِ لِلسُّرُورِ ». وَٱلْجَمْعُ أَطْرَابٌ وَطَرَبٌ بَابُهُ عِلْمٌ. وَ"ٱلْأَنْغَامُ" / جَمْعُ "نَغَمٍ" وَهُوَ ٱلصَّوْتُ ٱلْخَفِيُّ وَٱلصَّوْتُ ٱلْحَسَنُ، يُقَالُ "فُلَانٌ حَسَنُ ٱلنَّغْمَةِ" أَيْ حَسَنُ ٱلصَّوْتِ فِي ٱلْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِرَاءَةِ ٱلْقُرْآنِ بِٱلْأَنْغَامِ جَائِزَةٌ.

قَالَ ٱلْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ ٱلْجَامِعِ : « ٱلْأَنْغَامُ ٱلْمَنْهِيُّ عَنْهَا هُوَ إِخْرَاجُ ٱلْحُرُوفِ1 عَنْ مَا يَجُوزُ لَهُ فِي ٱلْأَدَاءِ ».

[الأنغام : تعريفها واستعمالاتها]

وَٱلْمُرَادُ بـِ"ٱلْأَنْغَامِ" هُنَا مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ رَسْتٍ وَعِرَاقٍ إِلَخْ. وَكُلُّ وَاحِدٍ يُخَالِفُ ٱلْآخَرَ فِي ٱلْأَلْحَانِ، وَهِيَ ٱلْأَصْوَاتُ ٱلْمُخْتَلِفَةُ، وَهَذَا ٱلْعِلْمُ يُسَمَّى بِٱلْمُوسِيقَى* في الحاشية : {عُرِفَ عَلَى القَارِئِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الغِنَاءِ وَالسَّمَاعِ أَنَّ أَهْلَ الغِنَاءِ وَالْآلَاتِ هُمْ أَصْحَابُ الْمُوسِيقَى}. : وَهُوَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ يُعْرَفُ بِهَا ٱلنَّغَمُ وَكَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ ٱلْأَلْحَانِ بَعْضًا مِنْ بَعْضٍ، وَفَائِدَتُهُ بَسْطُ ٱلْأَرْوَاحِ وَقَبْضُهَا، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي ٱلْأَفْرَاح وَٱلْحُرُوبِ / وَعِلَاجِ ٱلْمَرِيضِ : قَالَهُ شَيخُ ٱلْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا ٱلْأَنْصَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ عِلَاجِ ٱلْمَرْضَى بِٱلْأَنْغَامِ* في الحاشية : {وَفِي الْفَتْحَةِ النَّغَمِيَّةِ لَفْظُ مُوسِيقَى بِاللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ مَعْنَاهُ النَّغْمَةُ}..

[البحر الّذي يجمع هذه الأنغام]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« فَهَـــاكَ* في الحاشية : {فَهَاكَ اِسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ بِمَعْنَى خُذْ}. مَـــا يَجْمَعُهَـــا مُخْتَصَـــرَا ... مِــنْ رَجْــزٍ عَلَـــى ٱلْمُهْتَــمِّ اَقْتَصَــرَا ».

"ٱلرَّجَزُ": مِنَ ٱلْبُحُورِ ٱلّتِي يُؤَلّفُ ٱلشِّعْرُ مِنْهَا وَجُمْلَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ بَحْرًا* وهي : الطّويل، المديد، البسيط، الوافر، الكامل، الهزج، الرّجز، الرّمل، السّريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتثّ، المتقارب، والرّكض (يسمّى المُحدثُ أيضًا). جار اللّه الزّمخشريّ، القُسطاس في علم العروض، تح. فخر الدّين قباوة، الطّبعة الثّانية، بيـروت - لبنان، مكتبة المعارف، 1989، ع. ص. 144..

قَالَ :

« فَإِنَّ جُلَّ ٱلْوَقْتِ مَصْرُوفٌ إِلَى مِمَّـــــا ... مَا أَلْهَمَ ٱلْإِلَهُ عَزَّ وَجَلَّا

يَــــــــرَاهُ ذُو ٱلنُّهَـــــــــى وَٱلْعَقْــــــــــلِ ... فَــــرْضَ ٱلْعَيِّنَــــةِ وَفَــــوْقَ ٱلنَّفْــــلِ ».

[شرح مفردة "الجلّ"]

"ٱلْجُلُّ" بِٱلضَّمِّ مُعْظَمُ ٱلَشَّيْءِ وَكَبِيرُهُ، يَعْنِي أَنَّ ٱلشَّخْصَ ٱلْمُكَلَّفَ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَصْرِفَ أَكْثَرَ أَوْقَاتِهِ فِي طَاعَةِ ٱللَّهِ تَعَالَى : مِنْهَا تَعَلُّمُ ٱلْفُرُوضِ وَٱلْعَمَلُ بِهِ، وَمِنْهَا / تَعَلُّمُ ٱلْوَاجِبَاتِ ٱلّتِي هِيَ أَدْوَنُ مِنَ ٱلْفَرْضِ وَيَسْتَحِقُّ ٱلشَّخْصُ عَلَى تَرْكِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلثَّانِي ٱلْعِقَابَ عَلَى مَا فِي [كتاب] ٱلْمُنَاوِيِّ وَشَرْحِهِ، وَمِنْهَا تَعَلُّمُ ٱلنَّوَافِلِ وَهِيَ لُغَةً ٱلزِّيَادَةُ؛ وَٱلْمُرَادُ بِهِ ٱلسُّنَنُ وَٱلْمُسْتَحَبَّاتُ.

[تفسير ما سبق في مسألة الفرض وأحكامه]

وَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ مُؤَلِّفَهُ حَنَفِيٌّ* أي لعلّ مؤلّفَ الأرجوزةِ الخطيبَ الإربليَّ حنفيٌّ : على المذهب الحنفيِّ.؛ قَالَ :

« مَـــــا لَا يَلِيــــقُ بِــــٱللَّبِيبِ يُعْــــرِضُ ... عَنْــهُ إِلَـى شَـــيْءٍ سِـوَاهُ يُعْــرَضُ* كُتبت في الأصل "يُفرض" وهو خطأ نسخ (خطأ كتابة) : ما يمكن فهمه من خلال الحاشية الموالية.».

مَا بِمَعْنَى ٱلَّذِي أَتَى ٱلْفَرْضَ ٱلْعَيْنِيَّ ٱلّذِي لَا يَلِيقُ أَنْ يُعْرَضَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ ٱلّذِي عَلَيْنَا يُفْرَضُ* في الحاشية : {فَالْمِصْرَاعُ ٱلْأَوَّلُ مِنْ أَعْرَضَ يُعْرِضُ بِمَعْنَى ٱلتَّرْكُ، وَفِي [كتاب] ٱلْأَخْتَرِيِّ ٱلْإِعْرَاضُ قَلْبُ ٱلْوَجْهِ، وَلَعَلَّ الْمِصْرَاعَ ٱلْأَخِيرَ مِنْ عَرَضَ يَعْرِضُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ : هُوَ ٱلْأَمْرُ ٱلّذِي يُعْرَضُ لِلْإِنْسَانِ مُطْلَقًا؛ وَيُقَالُ عَرَضَ لِي كَذَا أَيْ ظَهَرَ لِي كَذَا وَكَذَا. أَيْ لَا يَلِيقُ بِٱللَّبِيبِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ تَعَلُّمِ ٱلْفُرُوضِ وَٱلْوَاجِبَاتِ وَٱلسُّنَنِ بِسَبَبِ مَا يُعْرَضُ لَهُ مِنَ ٱلْأُمُورِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَكَسْبٍ، بَلْ يَجِبُ ٱلتَّعَلُّمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ}..

[شرح مفردة "الفرض"]

وَٱلْفَرْضُ فِي ٱللُّغَةِ ٱلتَّقْدِيرُ، يُقَالُ "فَرَضَ ٱلْقَاضِي ٱلنَّفَقَةَ" أَيْ قَدَّرَهَا، وَفِي ٱلشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ.

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : /

« لَكِنَّ حَقَّ ٱلْقَصْدِ وَٱلْإِخَاءِ ... عَلَيَّ فِي عُرْفِ أُولِي ٱلسَّخَاءِ

أَوْجَبَ أَنْ أَبْغِي بِهَذَا ٱلنَّظْم ... مَا رُمْتَهُ مِنْ ضَبْطِ هَذَا ٱلْعِلْمِ

إِجَابَـــــةً لِمَــــــا ٱلْتَمَسْــــــتَ فَــــــٱتَّبِعْ ... هُـــــدَاهُ فَهْـــــوَ غُنِيَّـــــةٌ لِلْمُسْــــتَمِعْ ».

[تفسير المُباح والممنوع وشرح المفردات]

قَوْلُهُ "لَكِنْ" لِلْإِسْتِدْرَاكِ وَهُوَ اَسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ "لَا يَلِيقُ" أَنْ يَعْرُضَ ٱللَّبِيبُ إِلَى غَيْرِهِ : يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ ٱلْإِشْتِغَالَ بِٱلْمُبَاحَاتِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ ٱللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا أُمُورًا مِنْ أَكْلٍ وَ شُرْبٍ وَنِكَاحٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ مِنَ ٱلْجَائِزَاتِ.

وَ"ٱلْإِخَاءِ" مِنَ ٱلْأُخُوَّةِ، تَقُولُ آخَى يُؤَاخِي أَخًا. وَقَوْلُهُ "أَوْجَبَ" بِمَعْنَى أَلْزَمَ ٱللُّزُومَ ٱلْعُرْفِيَّ لَا ٱلشَّرْعِيَّ. وَ"أَبْغِي" أَيْ أَقْصِدُ. وَقَوْلُهُ "مَا رُمْتَهُ" بِفَتْحِ ٱلتَّاءِ لِلْمُخَاطَبِ أَيْ مَا طَلَبْتَهُ، مُتَعَلِّقٌ / بِقَوْلِهِ : "فَهَاكَ مَا يَجْمَعُهَا مُخْتَصَرًا مِنْ رَجْزٍ اَقتَصَرَ عَلَى ٱلْمُهِمِّ ٱلّذِي رُمْتَهُ". وَقَوْلُهُ "هُدَاهُ" بِمَعْنَى طَرِيقُهُ، وَيُقَالُ ٱلْهَدْيُ وَ ٱلْهِدَايَةُ : ٱلْإِرْشَادُ وَٱلدِّلَالَةُ.

[أصول الأنغام وشرحها]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللّهُ : « مَعرِفَةُ أُصُولِ ٱلْأَنْغَامِ ».

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ ٱلْأَصْلُ : مَا يُبْنَى عَلَيْهِ ٱلشَّيْءُ وَهُوَ أَسَاسُهُ، جَمْعُهُ أُصُولٌ.

[ﭐلرَّسْتُ]

قَالَ :

« وَٱعْلَـمْ بِـأَنَّ ٱلرَّسْـتَ* في الحاشية : {وَعُرْفًا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثِ مُفْرَدَاتٍ وَسَبْعِ نَغَمَاتٍ مِثَالُهُ : ٦٧١ ١٧٦٧}.أَصْـلُ ٱلْكُـلِّ ... عَنْــــهُ تَفَرَّعَــــتْ بِحُكْــــمِ ٱلْعَقْــــلِ ».

"ٱلرَّسْتُ" أَصْلُ ٱلْأَنْغَامِ وَمَعْنَاهُ فِي ٱللُّغَةِ ٱلْمَكَانُ ٱلّذِي يَخْتَفِي فِيهِ ٱلصَّيَّادُ. وَقَوْلُهُ : "بِحُكْمِ ٱلْعَقْلِ" [أيْ] خَرَجَ بِهِ ٱلْحُكْمُ ٱلشَّرْعِيُّ [بالعقل].

[فروع الأنغام و شرح أسمائها]

وَٱلْفَرْعُ مَا يَتَوَلّدُ مِنَ ٱلْأَصْلِ.

قَالَ :

« وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا تَفَرَّعَا ... عَنْهُ ثَلَاثَةً فَصَارَتْ أَرْبَعَا /

ٱلرَّسْــــــتُ وَٱلْعِــــــرَاقُ ثَـــــانٍ تَــــــابِعُ ... وَزِيرَفْكَنْـــدٌ وَإِصْـــبَهَانٌ ٱلرَّابِــــعُ ».

[العِراق]

"ٱلْعِرَاقُ" بِٱلْكَسْرِ إِسْمُ بَلْدَةٍ لَكِنَّهَا وُضِعَتْ عِلْمًا عَلَى نَغَمٍ مَخْصُوصٍ* في الحاشية : {يَجُوزُ تَذْكِيرُ اللَّفْظِ وَتَأْنِيثِهِ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ [عنه] أَنَّ[هُ] كَانَ عِلْمًا عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَجٌ. وَاللَّفْظُ الْكَلِمَةُ}..

[الإصفهان أو الإصبهان]

وَ"ٱلْإِصْبَهَانُ" بِكَسْرِ ٱلْهَمْزَةِ وَفَتْحِ ٱلْبَاءِ اِسْمُ بَلْدَةٍ جُعِلَتْ عِلْمًا عَلَى نَغَمٍ مَعْرُوفٍ.

[الزّيرفكند]

وَ"ٱلزِّيرَافْكَنْدَ" فـ"زِيرُ" بِمَعْنَى تَحْتَ وَ"أَفْكَنْدَ" بِمَعْنَى اِرْمِ : كَلِمَتَانِ فَارِسِيَّتَانِ جُعِلَتَا عِلْمًا عَلَى ٱلنَّغَمِ ٱلْمَعْرُوفِ.

[طُرُقُ المزج بين الأنغام وعلاقتها بطبائع الإنسان الأربعة]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : « ٱلْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ ٱلْأُصُولِ* في الحاشية : {ٱلْأُصُولُ جَمْعُ أَصْلٍ يُرَادُ بِهِ هُنَا ٱلْمَقَامَاتُ ٱلْأَرْبَعَةُ وَهِيَ ٱلرَّسْتُ وَٱلعِرَاقُ وَٱلزِّيرَفْكَنْدُ وَٱلْإِصْبَهَانُ لِأَنَّهَا اُصُولٌ لِلثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ}.وَٱلْأَرْكَانِ وَٱلْأَخْلَاطِ ».

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ، لِيَعْلَمَ أَنَّ مَبْنَى عِلْمِ ٱلْأَنْغَامِ عَلَى ٱلْأَرْكَانِ وٱلْاَخْلَاطِ وَمَرْجَعُهُ إِلَى عِلْمِ ٱلطِّبِّ فَكُلُّ خَلْطٍ لَهُ طَبْعٌ وَلَهُ أَصْلٌ وَكُلُّ نَغَمٍ لَهُ طَبْعٌ وَأَصْلٌ * في الحاشية : {ٱلْعِرَاقُ [مركّب] مِنْ أَرْبَعِ مُفْرَدَاتٍ مُطْلَقَاتٍ وَخَمْسِ نَغَمَاتٍ مِثَالُهُ : ٢ ٣ ٢ ١ ٧، وَٱلْإِصْبَهَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَرْبَعِ مُفْرَدَاتٍ مُطْلَقَاتٍ وَمُفْرَدَةٍ مُقَيَّدَةٍ وَثَمَانِ نَغَمَاتٍ مِثَالُهُ : ٥ ٧ ٦ ٥ ٤ ٣ ٤ ٣، وَٱلزِّيرَافْكَنْدُ يُقَالُ زَرِفَ أَيْ سَالَ وَٱلْكَنْدُ الْقَطْعُ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَرْبَعِ مُفْرَدَاتٍ مُطْلَقَاتٍ وَمُفْرَدَةٍ مُقَيَّدَةٍ وَسَبْعُ نَغَمَاتٍ مِثَالُهُ : ٢ ٦ ٤ ٥ ٤ ٣ ٢، وَهَذِهِ ٱلثَّلَاثَةُ مِنْ فُرُوعِ ٱلرَّسْتِ : وُجُودُ أجْزَاءِ ٱلرَّسْتِ فِي كُلٍّ مِنْهَا}.

[المفردات تعني المُدود، أو أزمنة الأنغام : النّقرات. فأمّا المطلقات منها ما يجوز فيها التّطويل (حرّة لكن مع المحافظة على نفس الزّمن المُطوَّلِ، وأمّا المقيّدة فالّتي تُضبَط بزمن محدّدٍ ودقيقٍ. وهو ما له علاقة بالشّعر : القوافي المقيّدة (يكون حرف الرّويّ فيها ساكنًا)، والقوافي المطلقة (يكون حرف الرّويّ فيها مُحرَّكًا بحركة تسمّى المجرى، وتكون هذه الأخيرة إمّا الفتحة، أو الضّمّة، أو الكسرة)].

[الأرقام المستعملة هنا للدّلالة على الأنغام المكوِّنة لكلّ نغمٍ أصل وهي من اليمين إلى الشِّمال : مثلًا العراق مركّبٌ من خمس نغماتٍ وهي ٢ ٣ ٢ ١ ٧ أي مركّب من النّغم الثّاني + النّغم الثّالث + النّغم الثّاني + النّغم الأوّل + النّغم السّابع].

، فَٱلطّبَائِعُ أَرْبَعَةٌ ٱلْحَرَارَةُ وٱلْبُرُودَةُ وَٱلرُّطُوبَةُ / وَٱلْيُبُوسَةُ.

[الأصل : الماء والهواء والتّراب والنّار : وهي المكوّنات الأساسيّة للطّبيعة والمناسبة لطبائع الإنسان الأربعة]

وَ"ٱلْأُسْتُقُصُّ" أَيْ ٱلْأَصْلُ فَهْوَ ٱلَمَاءُ وَٱلتُّرَابُ وَٱلنَّارُ وٱلْهَوَاءُ.

[الأخلاط : الصّفراء والدّمّ والبلغم والسّوداء : الأخلاط هي أعضاء في جسم الإنسان والمسؤولة عن طبائعه والّتي لها علاقة بالطّبائع الأربع].

وَ"ٱلْخِلْطُ" بِٱلْكَسْرِ وَاحِدُ ٱلْأَخْلَاطِ* واحِدُ الأخلاطِ أي مفرد للأخلاط.وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : ٱلصَّفْرَاءُ وَٱلدَّمُ وَٱلْبَلْغَمُ وَٱلسَّوْدَاءُ* في الحاشية :{صَفَرًا نَارٌ حَارٌّ يَابِسٌ دَمٌ هَوَاءٌ حَارٌّ رَطْبٌ بَلْغَمٌ مَاءٌ بَارِدٌ رَطْبٌ [سَوْدَاءٌ تُرَابٌ بَارِدٌ يَابِسٌ]

صَـيْــــــــــــــــــــفٌ رَبِيـــــــــــــــــــــــعٌ شِـــــــــــــــــــــــتَاءٌ خَرِيــــــــــــــــــــــــــــــفٌ

رَسْتٌ زَنْكَلَا عُشَّاقٌ عِرَاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايَاهْ زِيرَفْكَنْدٌ بُزْرَكٌ رَهَوِيٌّ إِصْفَهَانٌ نَوَى حُسَيْنِيٌّ

سَرَطَانٌ أَسَدٌ سُنْبُلَةٌ حَمَلٌ ثَوْرٌ جَوْزَاءٌ جَدْيٌ دَلْوٌ حُوتٌ مِيزَانٌ عَقْرَبٌ قَوْسٌ.

وَمَا يَخُصُّ الْأَنْغَامَ مِنَ الْفُصُولِ فَالرَّسْتُ وَمَا يَنْتُجُ مِنْهُ لِلصَّيْفِ وَالْعِرَاقُ وَفَرْعَيْهِ لِلرَّبِيعِ وَالزِّيرْلَكَنْدُ وَفَرْعَيْهِ لِلشِّتَاءِ وَالإِصْفَهَانُ وَفَرْعَيْهِ لِلْخَرِيفِ؛ مِنْ تَأْلِيفٍ آخَرَ}.

.

[طبائع الأخلاط الأربعة]

* الطّبائع هي الميزات والصّفات المميّزة للأخلاط الأربعة[الصّفراء]

فَـ"ٱلصَّفْرَاءُ" مِنَ ٱلْأَخْلَاطِ وَطَبْعُهُ حَارٌّ يَابِسٌ وَأَصْلُهُ ٱلنَّارُ.

[الدّم]

وَ"ٱلدَّمُ" خِلْطٌ طَبْعُهُ حَارٌّ رَطْبٌ وَأَصْلُهُ ٱلْهَوَاءُ.

[البلغم]

وَ"ٱلْبَلْغَمُ" خِلْطٌ طَبْعُهُ بَارِدٌ رَطْبٌ وَأَصْلُهُ ٱلْمَاءُ.

[السّوداء]

وَ"ٱلسَّوْدَاءُ" خِلْطٌ طَبْعُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَأَصْلُهُ ٱلتُّرَابُ.

[شرح مفردة "الطّبيعة"]

وَٱلطَّبِيعَةُ ٱلْخِلْقَةُ ٱلّتِي خُلِقَ ٱلشَّيْءُ عَلَيْهِ.

[شرح مفردة "الرّكن"]

وَٱلْأَرْكَانُ وَاحِدُهُ رُكْنٌ وَهُوَ بِمَعْنَى جُزْءٍ مِنَ ٱلشَّيْءِ أَوْ بِمَعْنَى ٱلْجَانِبِ ٱلْأَقْوَى، يُقَالُ "رُكْنُ ٱلشَّيْءِ" جَانِبُهُ ٱلْأَقْوَى، وَهُوَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ / أَيْ عَزَّ وَمَنَعَهُ وَبِمَعْنَى ٱلنَّاحِيَةِ وٱلْجَانِبِ.

[طبائع الأنغام الأربعة]

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا * في الحاشية : {أَيْ فَالّذِي مَرَضُهُ مِنَ الصَّفْرَاءِ،

نَارٌ هَوَاءٌ مَاءٌ

رَستٌ عِرَاقٌ زِيرَفْكَنْدٌ

سَرَطَانٌ أَسَدٌ سُنْبُلَةٌ

مَاءٌ نَارٌ تُرَابٌ

تُرَابٌ نَارٌ

إِصْفَهَانٌ زَنْكُلَا

مِيزَانٌ عَقْرَبٌ

هَوَاءٌ مَاءٌ

نَارٌ هَوَاءٌ هَوَاءٌ

عُشَّاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايٌ

قَوْسٌ جَدْيٌ دَلْوٌ

نَارٌ تُرَابٌ هَوَاءٌ

مَاءٌ مَاءٌ تُرَابٌ

بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ نَوَى

حُوتٌ حَمَلٌ ثَوْرٌ.

مَاءٌ نَارٌ تُرَابٌ}.

[لم يَذكر الشّارح نغم الحسينيّ].

: « فَـ"ٱلرَّسْتُ" طَبْعُهُ حَارٌّ يَابِسٌ، وَ"ٱلْعِرَاقُ" طَبْعُهُ حَارٌّ رَطْبٌ، وَ"ٱلزِّيرَفْكَنْدُ" بَارِدٌ رَطْبٌ، وَ"ٱلْإِصْبَهَانُ" طَبْعُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ ».

[المداواة بأخلاط الأنغام]

فَيُدَاوَى كُلَّ خَلْطٍ بِضِدِّهِ : فَصَاحِبُ ٱلصَّفْرَاءِ يُدَاوَى بِٱلزِّيرَفْكَنْدِ وَفَرْعَيْهِ، وَصَاحِبُ ٱلدَّمِ يُدَاوَى بٱلْإِصْبَهَانِ وَفَرْعَيْهِ، وَصَاحِبُ ٱلْبَلْغَمِ يُدَاوَى بِٱلرَّسْتِ وَفَرْعَيْهِ، وَصَاحِبُ ٱلسَّوْدَاءِ يُدَاوَى بِٱلْعِرَاقِ وَفَرْعَيْهِ.

[بروج الأنغام]

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ لِكُلِّ نَغَمٍ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ بُرْجًا مِنَ ٱلْبُرُوجِ* البروج أو الأبراج وهي إثني عشر برجًا، وتتناسب مع الطّبائع الأربع وتقسّم عليها الأنغام الإثني عشر بحسب طبائعها، فتصبح الأنغام في شكل أركان عددها أربعة تصنّف بحسب الأصول الأربع؛ إلّا أنّ هناك بعض الاختلافات في ترتيب الأنغام وتصنيفها وفق هذه الأبراج.:

فَٱلْأَنْغَامُ ٱلنَّارِيَّةُ لَهَا مِنَ ٱلْبُرُوجِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ، وَٱلْأَنْغَامُ ٱلْهَوَائِيَّةُ / لَهَا مِنَ ٱلْبُرُوجِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ، وَٱلْأَنْغَامُ ٱلْمَائِيَّةُ لَهَا مِنَ ٱلْبُرُوجِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ، وَٱلْأَنْغَامُ ٱلتُّرَابِيَّةُ لَهَا مِنَ ٱلْبُرُوجِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ.

[أوقات استعمال الأنغام بحسب البروج]

وَلِكُلِّ بُرْجٍ طَالِعٌ وَنَجْمٌ فَيُسْتَعْمَلُ كُلُّ نَغَمٍ فِي وَقْتِ طُلُوعِ ٱلطّالِعِ * في الحاشية :

{حَــــــــــارٌّ يَـــــابِسٌ ¦ حَــــــــارٌّ رَطْــــــبٌ ¦ بَــــــــــــارِدٌ رَطْــــــــــبٌ ¦ بَــــــــارِدٌ يَــــــــابِسٌ

رَسْتٌ عُشَّاقٌ زَنْكَلَا ¦ عِرَاقٌ بُزْرَكٌ حُسَيْنِيٌّ ¦ إِصْفَهَانٌ نَوَى بَوْسَلِيكٌ ¦ زِيرَفْكَنْدٌ حِجَازٌ رَهَوِيٌّ}.

.

مِثَالُهُ كُنَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ بُرْجِ ٱلسَّرَطَانِ عِنْدَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ فَقُلْنَا لَهُ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلرَّسْتُ وَمُدَّةُ ذَلِكَ ٱلطّالِعِ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسٍ وَ ثَلَاثِينَ* في الأصل "خمسة وثلاثين"، وهو خطأ في مسألة العدد والمعدود : لأنّ العدد من ثلاثة إلى تسعة يُذكَّر مع المعدود المؤنّث ويُؤنَّث مع المعدود المذكّر. دَرَجَةً فَلَكِيَّةً وَٱللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِٱلصَّوَابِ.

[الأركان الأصل والأخلاط والطّبائع]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَنَزَّلُــــــــوهُنَّ عَلَـــــــى ٱلْأَرْكَـــــــانِ ... وَعِــــدَّةُ ٱلْأَخْلَاطُ فِــــي ٱلْإنْسَــــانِ ».

أَيْ نَزَّلَ أَهْلُ ٱلْفَنِّ ٱلْأَنْغَامَ عَلَى عَدَدِ ٱلْأَرْكَانِ وَٱلْأَخْلَاطِ؛ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ؛ فَٱلَأَرْكَانُ ٱلْأَصْلُ / وَهِيَ ٱلنَّارُ وَٱلَهَوَاءُ وَٱلْمَاءُ وَٱلتُّرَابُ، وَٱلْأَخْلَاطُ ٱلصَّفْرَاءُ وَٱلدَّمُ وَٱلْبَلْغَمُ وَٱلسَّوْدَاءُ؛ فَطَبِيعَةُ كُلِّ نَغَمٍ مُوَافِقٍ لِطَبِيعَةٍ فِي ٱلْأَصْلِ وَٱلْخِلْطِ، فَشَبَّهُوا ٱلأَوَّلَ، قَالَ :

[النّغم الأول (الّذي تتفرّع منه الأنغام الثّلاثة الأولى وباقي الأنغام)]

« فَشَــــــبَّهُوا ٱلْأَوَّلَ فِـــــــي ٱلْآثَـــــــارِ ... بِــٱلْمِرَّةِ ٱلصَّـــفْرَا وَرُكْـــنِ ٱلنَّـــارِ* في الحاشية : {ٱلْمِرَّةُ بِٱلْكَسرْ [(من)] ٱلصَّفْرَاءِ كما فِي النَّهْرِ} : [أي كسر حرف "الميم" في لفظ "المرّة" وفتح حرف "الصّاد" في لفظ "الصّفراء" مثل فتح حرف النّون في لفظ "النّهر"]. ».

ٱلْأَوَّلُ، مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلرَّسْتُ فَطَبْعُهُ كَطَبْعِ ٱلصَّفْرَاءِ وَٱلنَّارِ عَلَى أَنَّ طَبْعَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَارٌّ يَابِسٌ. وَٱلْآثَارُ بِمَدِّ ٱلْأَوَّلِ جَمْعُ أَثَرٍ أَيْ شَبَّهُوا أَثَرَ ٱلرَّسْتِ فِي ٱلنُّفُوسِ كَأَثَرِ ٱلْأَدْوِيَةِ ٱلْحَارَّةِ ٱلْيَابِسَةِ لِلْأَمرَاضِ ٱلْبَارِدَةِ ٱلرَّطْبَةِ.

[النّغم الثّاني والنّغم الثّالث* جمعنا النّغم الثّاني والنّغم الثّالث معًا لأنّهما ذُكِرَا في نفس البيت.]

قَالَ :

« فَثَانِيًـــــــــا بِٱلـــــــــدَّمِ وَٱلْهَـــــــــوَاءِ ... وَثَـــــــــالِثًا بِبَلْغَـــــــــمٍ وَٱلْمَـــــــــاءِ ».

ٱلثَّانِي مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْعِرَاقُ طَبِيعَتُهُ كَٱلدَّمِ وَ ٱلْهَوَاءِ* في الحاشية : {أَيْ كُلٌّ مِنْهَا حَارٌّ رَطْبٌ}. / حَارٌّ رَطْبٌ.

وَٱلثَّالِثُ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلزِّيرَفْكَنْدُ طَبِيعَتُهُ كَطَبِيعَةِ ٱلْبَلْغَمِ وَٱلْمَاءِ بَارِدٌ رَطْبٌ.

[النّغم الرّابع]

وَٱلرَّابِعُ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِصْبَهَانُ وَطَبِيعَتُهُ كَطَبِيعَةِ ٱلسَّوْدَاءِ وَٱلتُّرَابِ بَارِدٌ يَابِسٌ، فَعَبَّرَ عَنِ ٱلْإِصْفَهَانِ بِقَوْلِهِ :

« وَٱلْخَتْـــمُ بِٱلسَّـــوَادِ وَرُكْــــنِ ٱلْأَرْضِ ... عَــنْ ذِي ٱلطِّبَــاعِ فِعْلُهَــا بِــٱلْفَرْضِ ».

[آثار الأنغام]

« فَأَثَرُ ٱلرَّسْتِ إِذًا فِي ٱلنَّفْسِ ... كَطَبْعِهِ حَرَارَةٌ مَعَ يُبْسِ

وَمِـــــنْ هُنَـــــا أَثّـــــرَ بَعْضُــــهَا فَقَــــطْ ... فَـــٱنْقَبَضَ ٱلْبَعْــــضُ لَــهُ أَوِ ٱنْبَسَـطَ ».

يَعْنِي أَنَّ أَثَرَ ٱلرَّسْتِ فِي ذَاتِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْحَرَارَةُ وَٱلْيُبُوسَةُ، تُنَاسِبُ ٱلشَّخْصَ إِذَا كَانَ طَبْعُهُ بَارِدًا رَطْبًا.

وَعَلَى هَذَا أَنَّ كُلَّ ٱلْأَنْغَامِ لَا تُوَافِقُ ٱلْمَرَضَ ٱلْوَاحِدَ وَأَنَّ كُلَّ ٱلْأَنْغَامِ لَا تُؤَثِّرُ فِي ٱلشَّخْصِ / ٱلْوَاحِدِ بَلْ يُؤَثِّرُ بَعْضُهَا فِيهِ بِبَسْطٍ وَسَخَاءٍ وَكَرَمٍ وَشَجَاعَةٍ وَبِشْرٍ وَلَذَّةٍ، وَأَنَّ بَعْضَهَا يُؤَثِّرُ فِي ٱلشَّخْصِ بِٱلْقَبْضِ وَٱلْحُزْنِ.

[علاقة الأنغام بطبيعة الإنسان وأمزجته عند خلطها أو تركيبها]

وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي فِي تَأْثِيرِ ٱلْأَنْغَامِ فِي ٱلْأَمْزِجَةِ مِنَ ٱلْأَخْلَاقِ :

[نغم العشّاق والبوسليك والنّوى]

أَنَّ نَغَمَ عُشَّاقٍ وَبَوْسَلِيكٍ وَنَوَى يَكُونُ سَبَبًا إِلَى ٱلشَّجَاعَةِ وَٱلْكَرَمِ وَٱلسَّخَاءِ؛

[نغم النّيروز والإصبهان والرّست والعراق]

وَأَنَّ لِنَيْرُوزٍ وَإِصْبَهَانٍ وَرَسْتِ وَعِرَاقِ1 سُرُورًا وَبَهْجَةً2 فِي ٱلنَّفْسِ؛

[نغم الإنتقال من العراق إلى الحسينيّ]

وَأَنَّ ٱلْإِنْتِقَالَ مِنَ ٱلْعِرَاقِ إِلَى ٱلْحُسَيْنِيِّ سَبَبٌ لِقَبْضِ ٱلنَّفْسِ وَحُزْنِهِ.

[أبحر الأنغام والأصول الأربعة]

« بَيَانُ أَبْحُرِ ٱلْأَنْغَامِ [و]ٱلْأُصُولِ ٱلْأَرْبَعَةِ »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ :

« ثُـــــــمَّ لَهُــــــنَّ أَبْحُــــــرٌ فَـــــــٱلْأَوَّلُ ... ذُو خَمْسَـــــةٍ مَعْرُوفَـــــةٍ تُسْـــــتَعْمَلُ ».

أَيْ لِكُلِّ نَغَمٍ بُحُورٌ عَلَى مَعْنَى تَوَابِعُ يَتَوَلّدُ مِنْهُ. / فَالنَّغَمُ ٱلْأَوَّلُ ٱلرَّسْتُ* في الحاشية : {وَقَالُوا أنَّ ٱلرَّسْتَ لِلسِّكَاهِ بَحْرٌ وَٱلظّاهِرُ أَنْ يُقَلَّبَ، فَحُرُوفُهُ لَهُ : لِرَسْتٍ، [أي أنّ السّكاه للرّست بحر]؛ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ [(له يعود)]، وَحُرُوفُ السِّكَاهِ عَكْسُهُ وَهُوَ يَعُودُ [له]}.وَلَهُ بُحُورٌ خَمْسَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ ٱلْفَنِّ مُسْتَعْمَلَةً أَوَّلُهَا ٱلسِّكَاهْ ثُمَّ ٱلْإِصْبَهَانُ وَٱلْكُرْدَانِيَّةُ وَٱلْنُّهُفْتُ وَٱلْبَنْجَكَاهْ* في الحاشية : {أَوْ عَلَى مَعْنَى : يُسْتَعْمَلُ مَعَ ٱلتَّرْتِيبِ : بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ ٱلرَّسْتُ أَوَّلًا ثُمَّ ٱلسِّكَاهُ ثَانِيًا ثُمَّ ٱلْإِصْبَهَانُ ثَالِثًا ثُمَّ ٱلْكِرْدَانِيَّةَ رَابِعًا ثُمَّ ٱلنُّهُفْتُ خَامِسًا ثُمَّ ٱلْبَنْجَكَاهُ سَادِسًا؛ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُخُلَّطُ ٱلرَّسْتُ مَعَ ٱلسَّكَاهُ فَيَكُونَا لَونًا آخَرَ أَوْ يُخَلَّطُ ٱلرَّاسْتُ مَعَ ٱلْإِصْبَهَانِ أَوْ ٱلرَّاسْتُ مَعَ ٱلْكُرْدَانِيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ ٱلْمَارْدِينِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ أَنَّ ٱلزَّرْكَشِيَّ إِذَا خَالَطَ ٱلْحِجَازِيَّ صَارَ عُزُالًا}.، وَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ :

« وَهِـــيَ مِنَ ٱلسَّــكَاهْ إِلَى أَنْ تَنْخَتِـــمْ ... بِٱلْبَنْجَكَــاهْ وَٱلْإِصْــبَهَانُ قَــدْ عُلِـــمْ ».

ٱلسَّكَاهْ* في الحاشية : {ٱلسَّكَاءُ بِٱلْفَتحِ وَهِيَ ٱلْحَيَوانَةُ ٱلْأُنثَى ٱلّتِي لَا أُذُنَ لَهَا وَهِيَ ٱلْبَيَّاضَاتُ ٱلّتِي تَبِيضُ كَٱلطّيُورِ مَثَلًا، وَيُقَالُ كُلُّ سَكَاءٍ تَبِيضُ}.عِنْدَ أَهْلِ ٱلْعَجَمِ مَعْنَاهُ مَحَلُّ ٱلثَّلَاثَةِ وَٱلْبَنْجَكَاهْ مَعْنَاهُ مَحَلُّ ٱلْخَمْسَةِ، لِأَنَّ "سَهْ" مَعْنَاهُ ثَلَاثَةٌ وَ"بَنْجَ" خَمْسَةٌ وَ"كَاهْ" بِمَعْنَى مَحَلٍّ؛ جُعِلَتْ أَعْلَامًا عَلَى أَنْغَامٍ مَعْرُوفَةٍ.

وَٱلْكُرْدَانِيَّةُ إِسْمٌ لِلْعُنُقِ فِي ٱصْطِلَاحِ ٱلْعَجَمِ، وَقَالَ ٱلْأَخْتَرِيُّ : "ٱلْكُرْدُ ٱلْعُنُقُ"، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. اَنْتَهَى. فَزَادُوا فِيهِ ٱلْأَلِفَ وَٱلنُّونَ* في الحاشية : {قِيلَ أَنَّ لِكُلِّ مُفْرَدٍ أَدْنَى إِرْتِفَاعٍ وَأَوْسَطَ إِرْتِفَاعٍ وَأَعْلَى إِرْتِفَاعٍ وَهُوَ آخِرُ مُنْتَهَى ٱلصَّوْتِ}.، / وَلَعَلَّ ٱلْيَاءَ لِلنِّسْبَةِ وَٱلْهَاءَ لِتَأْنِيثِ ٱللَّفْظِ، كَقَوْلِنَا "رُومِيَّتُهُ"؛ وَنُهُفْتُ بِضَمِّ ٱلنُّونِ مَعْنَاهُ ٱلْمَخْفِيُّ. وَعَبَّرَ عَنِ ٱلْبَاقِي مِنَ ٱلْخَمْسَةِ فِي ٱلْبَيْتِ ٱلْآتِي بِقَوْلِهِ :

« كُرْدَانِيًّـــــا نُهُفْـــــتُ ثُــــمَّ ٱلْبَـــــاقِي ... كُــــلٌّ لَــــهُ بَحْـــــرَانِ بِٱتِّفَــــــاقِ ».

أَرَادَ بِقَوْلِهِ "ثُمَّ ٱلْبَاقِي" : [أي الباقي] مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلثَّلَاثَةِ ٱلْبَاقِيَةِ، وَهِيَ ٱلْعِرَاقُ وَٱلزِّيرَفْكَنْدُ وَٱلْإِصْبَهَانُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطّلِعْ عَلَى أَسْمَاءِ بُحُورِهِمْ، [و]عَبَّرَ بِقَوْلِهِ :

« وَلَــــمْ يُسَــــمَّ وَبَعْـــــضٌ حَقَّقَـــــا ... لِلْإِصْــــبَهَانِ آخَرَيْـــــنِ مُطْلَقَـــــا ».

لِيَعْلَمَ أَنَّ ٱلْبُحُورَ أَعَمَّ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْمُتَوَلِّدَةِ عَنِ أَصْلِ ذَاتِ ٱلنَّغَمِ ٱلْأَصْلِيِّ، حَتَّى قَالَ فِي بَعْضِ ٱلْمُؤَلّفَاتِ أَنَّ : « ٱلرَّسْتَ مِنْ بُحُورِهِ ٱلْعُشَّاقُ / وَٱلْعِرَاقُ مِنْ بُحُورِهِ ٱلْمَايَا »، إِلَى آخِرِهِ، وَفِي قَوْلِهِ : "وَبَعْضٌ حُقِّقَ".

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ ٱلْمُصَنِّفِ أَنَّ لِكُلِّ نَغْمَةٍ فَرْعَيْنِ : فَٱلرَّسْتُ لَهُ زَنْكَلَةٌ وَعُشَّاقٌ إِلَى آخِرِهِ. وَفِي قَوْلِهِ : "وَبَعْضٌ حَقَّقَ" إِلَخْ، أَنَّهُ لَمْ يَطّلِعْ عَلَى غَيْرِ أَنَّ لِلْإِصْبَهَانِ ٱلنَّوَى وَٱلْحُسَيْنِيَّ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا، فَعَلِمَ أَنَّ ٱلرَّسْتَ لَهُ ٱلزَّنْكَلَةُ وَٱلْعُشَّاقُ وَٱلْخَمْسَةُ ٱلْبَاقِيَةُ ٱلسَّكَاهْ وَٱلْإِصْبَهَانُ ٱلّتِي مِنْ نَفْسِ ٱلْأُصُولِ ٱلْأَرْبَعَةِ وَٱلْكِرْدَانِيَّةُ وَٱلنُّهُفْتُ وَٱلْبَنْجَكَاهْ، وَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَبُو ٱلْأَنْغَامِ وَ قَالَ فِي بَعْضِ ٱلرَّسَائِلِ أَنَّ : « ٱلسَّكَاهْ بَابُ ٱلْأَنْغَامِ وَبَيْتُهُ ٱلرَّسْتُ وَٱلرَّسْتَ أَبُو ٱلْأَنْغَامِ ». / * في الحاشية : {لِيُعْلَمَ أَنَّ بُيُوتَ ٱلنَّغَمَاتِ سَبْعَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ ٱلرَّسَائِلِ، أَعْنِي ٱلْبَيْتَ ٱلْأَوَّلَ ثُمَّ ٱلثَّانِي ثُمَّ ٱلثَّالِثَ ثُمَّ ٱلرَّابِعَ ثُمَّ أنَّهَا [(تَمُرُّ)] ثُمَّ ٱلسَّادِسُ ثُمَّ ٱلسَّابِعُ، فَٱلْبَيْتُ ٱلْأَوَّلُ صَوْتٌ غَلِيظٌ وَٱلثَّانِي أَرَقُّ مِنَ ٱلْأَوَّلِ هَكَذَا إِلَى ٱلسَّابِعِ؛ وَهَذَا ٱلْفَهْمُ. وَيُدْرَكُ مِنْ آلَةِ ٱلْقَانُونِ فَبُيُوتُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بَيْتًا، فَتُكَرَّرُ ٱلْبُيُوتُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَصَوَّرَ [أَوْ يُصَوَّرَ] كُلُّ نَغَمٍ ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ أَدْنَى وَأَوْسَطٍ وَأَعْلَى؛ فَإِنَّكَ تُصَوِّرُ بَعْضَ ٱلنَّغَمَاتِ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ: ٱلْأَوَّلُ وَتُصَوِّرُ بَعْضَ ٱلنَّغَمَاتِ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ؛ ٱلثَّانِيَةِ وَتُصَوِّرُ بَعْضَ ٱلنَّغَمَاتِ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ، ٱلثَّالِثَةِ وَهُوَ أَعْلَى أَصْوَاتِ آلَةِ ٱلْقَانُونِ؛ وَكُلُّ هَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِٱلْمُشَافَهَةِ}.فَـ"ٱلْأَبُ" يُرَادُ بِهِ ٱلْوَالِدُ أَوِ ٱلْجَدُّ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِلْأَنْغَامِ.

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى : « ذِكْرُ ٱلْأَبْحُرِ ٱلثَّمَانِيَةِ ٱلْمُفَرَّعَةِ عَنِ ٱلْأُصُولِ ٱلْأَرْبَعَةِ »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا. ذَكَرَ ٱلْأَبْحُرَ إِلَخْ، قَالَ :

« ثُمَّ لِكُلِّ نَغْمَةٍ فَرْعَانِ ... تَفَرَّعَتْ عَنِ أَرْبَعٍ ثَمَانِ

عَـــــــــنْ أَوَّلٍ زَنْكُلَـــــــــةٌ عُشَّـــــــــاقُ ... لِبَوْسَــــــلِيكِ وَٱلْمَــــــايِ ٱلْعِــــــرَاقُ ».

أَرَادَ بِقَوْلِهِ "عَنْ أَوَّلِ" ٱلنَّغَمِ ٱلْأَصْلِيِّ وَهُوَ ٱلرَّسْتُ أَيْ فَلَهُ زَنْكَلَةٌ وَعُشَّاقٌ، وَقَوْلُهُ "لِبَوْسَلِيكٍ" أَيْ أَنَّ ٱلنَّغَمَ ٱلثَّانِي ٱلَأَصْلِيِّ لَهُ بَوْسَلِيكٌ وَ(ٱلْمَايُ) وَٱلنَّغَمُ ٱلثَّانِي هُوَ ٱلْعِرَاقُ.

قَالَ : /

« ثُــــمَّ لِثَـــــالِثٍ بُــــزُرْكُ رَاهَــــوِي ... عَـنْ رَابِعٍ* ي الحاشية : {ٱلرَّابِعُ مِنْ أُصُولِ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِصْفَهَانُ ٱلنَّوَى وَٱلْحُسَيْنِيُّ صَحَّ}.نَوَى حُسَـيْنِيٌّ قَـدْ رُوِي ».

"ٱلثَّالِثَ" مِنَ ٱلْأَنْغَامِ : [من] أُصُولُ ٱلْأَنْغَامِ، [وهو] ٱلزَّايْرَفْكَنْدُ وَفَرْعَاهُ ٱلْبُزْرُكُ وَٱلرَّهَوِيُّ* في الحاشية : {ٱلْبُزُرْكُ بِٱلضَّمِّ هُوَ ٱلْكَبِيرُ، وَٱلرَّهَوِيُّ ٱلرَّهَا ٱلْمَكَانُ ٱلْمُرْتَفِعُ جَمْعُ رَهَوٍ}.، فَهَذِهِ ٱلْأَنْغَامُ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ ٱلْمُسَمَّاةَ فِي عُرْفِهِمْ بِٱلْأُصُولِ.

[معاني أسماء الأنغام السّتّة الباقية]

وَتَقَدَّمَ ٱلْكَلَامُ عَلَى مَعَانِي أَسْمَاءِ ٱلْأَنْغَامِ بِحَسَبِ عِلْمِ ٱللُّغَةِ فَٱلْبَاقِي هُنَا سِتَّةٌ :

مِنْهَا ٱلزَّنْكُلَا وَهْوَ ٱسْمُ بَلْدَةٍ لِطَائِفَةِ بَرْبَرٍ مِنَ ٱلسُّودَانِ؛

وَمِنْهَا ٱلْعُشَّاقُ جَمْعُ عَاشِقٍ وَٱلْعِشْقُ هِيَ كَيْفِيَّةٍ مُحْرِقَةٍ تَقَعُ فِي قَلْبِ ٱلْعَاشِقِ؛

وَمِنْهَا ٱلْبَوْسَلِيكُ مَعْنَاهُ مَحَلُّ ٱلْبَوْسِ وَٱلتَّقْبِيلِ، قَالَ ٱلْأَخْتَرِيُّ : "ٱلْبَوْسُ بِٱلْفَتْحِ ٱلْقُبْلَةُ" : مُعَرَّبٌ مِنَ ٱلْفَارِسِيِّ، يُقَالُ بَاسَ يَبُوسُ بَوْسًا وَبَاسَهُ أَيْ / قَبَّلَهُ؛

وَمِنْهَا ٱلْمَايَا ٱسْمٌ لِلْخَمِيرَةِ وَيُزَادُ عَلَيْهِ هَاءَ ٱلسَّكْتِ فَيَقُولُونَ "مَايَاهْ" وَ"يَأْتِي ٱلْمَايُ" وَمَعْنَاهُ فِي ٱللُّغَةِ ٱلْمَدُّ، يُقَالُ "مَاءَيْتُ ٱلْجِلْدَ" أَيْ مَدَدْتُهُ.

[وضع الأنغام الإثني عشر والاختلاف بين المشارقة والمغاربة]

« فَصَــــارَتِ ٱلْأَنْغَــــامُ إِثْنَــــيْ عَشَـــرَا ... وَٱضْطَرَبُوا فِـي ٱلْوَضْـعِ وَٱلّـذِي أَرَى ».

ٱلْٱضْطِرَابُ فِي ٱللُّغَةِ [هو] ٱلْإِرْتِعَاشُ وَٱلْإِخْتِصَامُ، وَهِيَ ٱلْمُجَادَلَةُ أَيْ حَصَلَ ٱلْخَلَفُ* "الخَلَفُ" مصدر من فعل "خَلِفَ" : مَالَ.بَيْنَ أَهْلِ هَذَا ٱلْفَنِّ فِي تَرْتِيبِ ٱلْأَنْغَامِ وَ"ٱلَّذِي أَرَى" أَيْ ٱلّذِي أَخْتَارُهُ مِنَ ٱلْأَوْضَاعِ "أَنْ يُوضَعَ ٱلْأَصْلُ وَفَرْعَاهُ مَعَهُ"* من البيت ٢٩ .، مِثَالُهُ :

رَسْتٌ زَنْكَلَا عُشَّاقٌ ¦عِرَاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايٌ ¦ زِيرَافْكَنْدٌ بُزْرَكٌ رَهَوِيٌّ ¦ إِصْفَهَانٌ نَوَى حُسَيْنِيٌّ

أَنْغَـــــــــامٌ نَــــــارِيَّةٌ ¦ أَنْغَــــامٌ هَوَائِيَّــــةٌ ¦ أَنْغَـــــــــامٌ مَــــائِيَّةٌ ¦ أَنْغَــــــامٌ تُرَابِيَّـــــــةٌ

حَــــــارَّةٌ يَــــــــابِسَةٌ ¦ حَـــــارَّةٌ رَطْـــبَةٌ ¦ بَـــــــارِدَةٌ رَطْــــبَةٌ ¦ بَــــــارِدَةٌ يَــــــابِسَةٌ

قَالَتِ ٱلْمَغَارِبَةُ ن ە م ت وَ قَالَتِ ٱلْمَشَارِقَةُ ن ت ە م ن

نَارٌ هَوَاءٌ مَاءٌ تُرَابٌ. /

قَالَ رَحِمَهُ ٱللهُ : « ذِكْرُ [كَيْفِيَّةِ] تَرْتِيبِ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِثْنَى عَشَرَ »؛

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ أَنْ يُوضَعَ ٱلْأَصْلُ وَفَرْعَاهُ مَعَهُ أَوْ ٱلْأُصُولُ [ومن] ثَمَّةَ ٱلْمُفَرَّعَةُ.

[وضع الأصول ثمّ الفروع مثنى كما يضعها الإربليّ]

تَقَدَّمَ ٱلْكَلَامُ عَلَى وَضْعِ ٱلْأَصْلِ مَعَ ٱلْفَرْعِ، ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَحَدٍ* "أحد" يُقصد به وضعٌ (ترتيب).أَوْجَبَ ٱلْإِضْطِرَابَ وَٱلْإِخْتِلَافَ : وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ ٱلْأَصُولُ ثُمَّ ٱلْفُرُوعُ مَثْنًى مِثَالُهُ:

رَسْتٌ عِرَاقٌ زِيرَافْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ زَنْكَلَا عُشَّاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايٌ بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ نَوَى حُسَيْنِيٌّ.

[وضع الأصول الأربعة أوّلًا ثمّ الأنغام الباقية]

ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَ هُوَ ٱلثَّالِثُ بِأَنْ يُوضَعَ ٱلْأُصُولُ ٱلْأَرَبَعَةُ ثُمَّ يُوضَعُ بَعْدَهُ زَنْكُلَةٌ وَبَوْسَلِيكٌ وَبُزُرْكٌ وَنَوَى وَعُشَّاقٌ وَمَايٌ وَرَهَوِيٌّ وَحُسَيْنِيٌّ، وَأَشَارَ إِلَى مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ : /

« مَثْنَى كَذَا أَوِ ٱلْأُصُولُ ٱلْأَرْبَعَه ... وَزَنْكَـلَا وَبَوْسلِيكٌ تَبِـعَـه

بُـــزُرْكٌ مَـــعَ نَــــوَى وَعُشَّــــاقُ مَــــاي ... وَٱلرَّهَـــوِيُّ وَٱلْحُسَـــيْنِيُّ قَـــدْ نَـــأَى ».

وَقَوْلُهُ "نَأَى" أَيْ أَتِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ : "سَيْلُ نَأْيٍ" أَيْ أَتَى مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ إِلّا أَنَّهُ يُبْنَى لِلْمَجْهُولِ فَيُقَالُ "نُئِيَ" أَيْ أَتَى بِهِ هَكَذَا مُرَتَّبًا، وَمِثَالُهُ فِي ٱلْوَضْعِ هَكَذَا :

رَسْتٌ عِرَاقٌ زِيرَافْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ زَنْكُلَا بَوْسَلِيكٌ بُزُرْكٌ نَوَى عُشَّاقٌ مَايٌ رَهَوِيٌّ حُسَيْنِيٌّ.

[الأنغام (تحليل مُفصَّل)]

[أنواع الأنغام]

فَيُبْنَى عَلَى هَذَا مَعْرِفَةُ ٱلْأَنْغَامِ ٱلنَّارِيَّةِ وَٱلْهَوَائِيَّةِ وَٱلْمَائِيَّةِ وَٱلتُّرَابِيَّةِ، فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَنَّ لَا خِلَافَ فِي ٱلْأُصُولِ ٱلْأَرْبَعَةِ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ إِنَّمَا ٱلْخِلَافُ فِي فُرُوعِهَا فَتَخْتَلِفُ بِاَخْتِلَافِ ٱلتَّرْتِيبِ وَهَذَا مِثَالُ ٱلتَّرْكِيبِ لِلْأُصُولِ مَعَ ٱلْفُرُوعِ فِي ٱلْوَجْهِ ٱلْأَخِيرِ : /

رَسْتٌ زَنْكُلَا بَوْسَلِيكٌ ¦ عِرَاقٌ بُزُرْكٌ نَوَى ¦ زِيرَافْكَنْدٌ عُشَّاقٌ مَايٌ ¦ إِصْفَهَانٌ رَهَوِيٌّ حُسَيْنِيٌّ

نَـارِيَّانِ حَـارَّةٌ يَابِسَةٌ ¦ هَوَاءٌ نَارٌ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ ¦ مَائِيَّانِ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ ¦ تُرَابِيَّانِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ

وَهَذَا مِثَالٌ لِلْوَجْهِ ٱلّذِي ذَكَرَهُ فَوْقَ ٱلْأَخِيرِ مُرَكِّبًا ٱلْأُصُولَ مَعَ ٱلْفُرُوعِ :

رَسْتٌ زَنْكَلَا عُشَّاقٌ عِرَاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايٌ زِيرَافْكَنْدٌ بُزْرَكٌ رَهَوِيٌّ إِصْفَهَانٌ نَوَى حُسَيْنِيٌّ.

وَأَشَارَ إِلَى مَعْرِفَةِ طَبَائِعِ ٱلْأَنْغَامِ ٱلنَّارِيَّةِ وَٱلْهَوَائِيَّةِ وَٱلْمَائِيَّةِ وَٱلتُّرَابِيَّةِ بِقَوْلِهِ : "بِمِثْلِ ذَا" [وهو]إِ شَارَةٌ إِلَى هَذِهِ ٱلْكَيْفِيَّاتِ؛ وَلَكِنْ ٱلرَّاجِحُ عِنْدَهُ فِي ٱلنِّسَبِ هَذَا ٱلْوَجْهُ ٱلْأَخِيرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ٱلرَّسْتَ لَهُ ٱلزَّنْكُلَا وَٱلُعُشَّاقُ، وَٱلْعِرَاقُ لَهُ بَوْسَلِيكٌ وَمَايٌ، وَٱلْزَّايْرَافْكَنْدُ لَهُ ٱلْبُزُرْكُ وَٱلرَّهَوِيُّ، وَٱلْإِصْبَهَانُ لَهُ ٱلنَّوَى وَٱلْحُسَيْنِيُّ، وَأَشَارَ إِلَى مَا ذُكِرَ [في] قَوْلُهُ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : /

« بِمِثْـــــــلِ ذَا تُحْفَـــــــظُ ٱلنِّسَــــــــبْ ... فِـــي حُكْـــمِ طَبْعِهَــــا وَإِنْ تُرَتِّــــبْ ».

ٱلنِّسَبُ بِٱلْكَسْرِ جَمْعُ نِسْبَةٍ : ٱلتَّعَلُّقُ وَٱلْإِتِّصَالُ، فَفِي تَرْتِيبِ ٱلْأَنْغَامِ عَلَى هَذَا ٱلْوَجْهِ ٱلْمَشْرُوحِ لَهُ تَعَلُّقٌ وَٱتِّصَالٌ بِٱلْأَرْكَانِ ٱلنَّارِيَّةِ وَٱلْهَوَائِيَّةِ وَأَخَوَاتِهَا.

[ترتيب الأنغام الإثني عشر على البروج الإثني عشر ونجومها السّبعة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ تَرْتِيبُ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ عَلَى ٱلْبُرُوجِ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ وَنُجُومِهَا ٱلسَّبْعَةِ وَإِنْ خَالَفَتْهَا فِي ٱلطّبَائِعِ، لِمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ تَرْكِيبِ ٱلْكَيْفِيَّاتِ وَقَوْلِهِ : "وَإِنْ تُرَتِّبُ" أَيْ وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُرَتِّبَ ٱلْأَنْغَامَ عَلَى ٱلْبُرُوجِ وَنُجُومِهَا ؛ "فَضَعْ رَابِعَهُنَّ" أَيْ ٱلْبُرُوجَ "أَوَّلَ ٱلْأَنْغَامِ" وَأَشَارَ إِلَ هَذَا بِقَوْلِهِ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« عَلَى ٱلْبُرُوجِ وَ نُجُومِهَا فَضَعْ ... رَابِعَهُنَّ أَوَّلًا ثُمَّ ٱلتَّبَعْ /

ثُــــمَّ بِبَـــــدْءِ كُـــــلِّ فَرْعَيْـــــنِ عَلَـــــى ... تَرْتِيبِهَــــــــا ٱلْآنَ وَبِٱلْبَــــــــاقِي وَلَا ».

وَكَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ ٱلنَّظْمِ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنْ تَضَعَ ٱلْأُصُولَ ٱلْأَرْبَعَةَ ثُمَّ فُرُوعَهَا وَتَضَعَ رَابِعَ ٱلْبُرُوجِ فِي أَوَّلِ ٱلْأَنْغَامِ وَخَامِسُهُ فِي ٱلثَّانِي وَسَادِسُهُ فِي ٱلثَّالِثِ وَسَابِعُهُ فِي ٱلرَّابِعِ، هَكَذَا إِلَى تَمَامِ ٱلْأَنْغَامِ وَٱلْبُرُوجِ مِثَالُهُ :

رَسْتٌ عِرَاقٌ زِيرَافْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ زَنْكَلَا عُشَّاقٌ بَوْسَلِيكٌ مَايٌ بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ نَوَى حُسَيْنِيٌّ

سَرَطَانٌ أَسَدٌ سُنْبُلَةٌ مِيزَانٌ عَقْرَبٌ قَوْسٌ جَدْيٌ دَالِيٌّ حُوتٌ حَمَلٌ ثَوْرٌ جَوْزَاءٌ.

وَإِلّا بَدَا ٱلْإِظْهَارُ، أَيْ أَنْ تُظْهِرَ تَرْتِيبَ كُلِّ فَرْعَيْنِ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ عَلَى تَرْتِيبِ ٱلْبُرُوجِ. وَفِي قَوْلِهِ "وِلَاءً" بِٱلْكَسْرِ أَيْ تَتَابُعًا إِشَارَةً إِلَى ٱلنُّجُومِ أَيْ وَيَظْهَرُ تَرْتِيبُ ٱلنُّجُومِ كَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ ٱلْقَوْسُ ٱلّذِي / تَابَعَهُ ٱلْمُشْتَرِي لِنَغْمَةِ ٱلْعُشَّاقِ، نَاظِرًا إِلَيْهِ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ :

« حَتَّــى يَكُـــونَ قَوْسُـــهَا وَٱلْمُشْـــتَرِي ... لِنَغْمَــةِ ٱلْعُشَّــاقِ عِنْـــدَ ٱلنَّظَـــرِي* في الحاشية: {ٱلْمُشْتَرِي نَاظِرٌ لِلْقَوْسِ لِأَنَّهُ يَمُرُّ بِبُرْجِ ٱلْقَوْسِ}.».

وَفِي كَلَامِهِ [(أَيَّمَا)]* كتبت في الأصل "آيما"، فقد تعني حرفا الشّرط 'أي" + "م" لتكون أيّما.إِلَى مُرَاعَاةِ ٱلطّوَالِعِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ مَثَلًا ٱلْعُشَّاقُ عِنْدَ طَالِعِ ٱلْقَوْسِ وَكَوْكَبِ ٱلْمُشْتَرِي وَٱلْبَوْسَلِيكُ فِي طَالِعِ ٱلْجَدْيِ وَكَوْكَبِ زُحَلٍ.

رَسْتٌ، زَنْكَلَا، عُشَّاقٌ، عِرَاقٌ، بَوْسَلِيكٌ، مَايٌ، [زيرفكند، بزرك، رهويّ، إصفهان، نوى، وحسينيّ].

زُحَــــــــــــــلٌ ¦ مُشْتَـــــــــــــرِي ¦ مَرِّيــــــــــــخٌ ¦ شَمْـسٌ ¦ زُهْـــــــــــــرَةٌ ¦ عُــــــــــــــــــطَارِدٌ ¦ قَمَـــــــرٌ

جَـدْيٌ دَلْــــوٌ ¦ قَوْسٌ حُــــوتٌ ¦ حَمَلٌ عَقْرَبٌ ¦ أَسَــــدٌ ¦ ثَوْرٌ مِيــــــزَانٌ ¦ جَوْزَاءٌ سُنْبُلَــــــــةٌ ¦ سَرَطَانٌ

بَوْسَلِيكٌ مَايْ ¦ عُشَّـــاقٌ بُزُرْكٌ ¦ رَهَوِيٌّ زَنْكُلَا ¦ عِرَاقٌ ¦ نَوَى إِصْفَهَانٌ ¦ حُسَيْنِيٌّ زِيرَفْكَنْدٌ ¦ رَسْـــتٌ.

[البروج المقسومة على النّار والهواء والماء والتّراب]

وَهَذِهِ جُمْلَةُ ٱلْبُرُوجِ ٱلْمَقْسُومَةِ عَلَى ٱلنَّارِ وَٱلْهَوَاءِ وَٱلْمَاءِ وَٱلتُّرابِ* في الحاشية: {وَٱلْإِصْطِلَاحُ جَعْلُ ٱلْمَقَامِ أَوِ ٱلْأَوَ[ا]زِ مُرْتَبِطًا بِشِعْرٍ مِنَ ٱلْأَبْحُرِ ٱلسِّتَّةَ عَشَرَ، مِثَالُهُ شِعْرٌ مِنَ ٱلْمُجْتَثِّ رَبَطْنَاهُ بِمَقَامِ ٱلرَّسْتِ وَمِنْهَا رَبْطُ كُلِّ شُعْبَتَيْنِ بِمَقَامِهَا وَهُوَ ٱبْتِدَاؤُكَ إِلَخ}.:

نَــــــــــــــــارٌ ¦ هَــــــــــــــــوَاءٌ ¦ مَــــــــــــــــــــــــاءٌ ¦ تُــــــــــــــرَابٌ

حَمَلٌ أَسَدٌ قَوْسٌ ¦ جَوْزَاءٌ مِيزَانٌ دَلْوٌ ¦ سَرَطَانٌ عَقْرَبٌ حُوتٌ ¦ ثَوْرٌ سُنْبُلَةٌ جَدْيٌ.

[الأوازات]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى : / « ذِكْرُ ٱلْأَوَازَاتِ ٱلسِّتَّةِ »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ، جَمْعُهُ أَوَازَاتٌ وَهُوَ نَغَمٌ يَتَوَلّدُ مِنْ أصْلَيْنِ [فَهُوَ] تَوَلُّدٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مُنَاسِبَيْنِ سُمِّيَ أَوَازًا فِي عُرْفِهِمْ* في الحاشية : {ٱلْأَوَازُ كُلُّهُ تَرْكِيبَةٌ مَعْنَاهَا ٱلصَّوْتُ}..

وَقَالَ ٱلْمِصْرُ* "ٱلْمِصْرُ" هم الحُضَّرُ : من يعيش في مدينة تُقام فيها الدّور والأسواق والمدارس.أَنَّ ٱلْأَوَازَ يَتَفَرَّعُ مِنْ كُلِّ شَدَّيْنِ، وَٱلشَّدُّ* في الحاشية : {وَٱلشَّدُّ فِي ٱللُّغَةِ ٱلرَّبْطُ وَٱصْطِلَاحًا هُوَ ٱلنَّغَمُ ٱلْمُرَكَّبُ مِنْ مُفْرَدَاتٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاسْتًا أَوْ غَيْرَهُ إِلَّا بِتَرَكُّبِهِ مِنْ مُفْرَدَاتٍ مَعْلُومَاتٍ عِنْدَ أَهْلِهِ وَفِيهِ مُؤَلَّفَاتٍ}.فِي ٱللُّغَةِ ٱلرَّبْطُ فَفِيهَا ٱلْإِنتِقَالُ حِينَئِذٍ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ يُحَسُّ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ ٱلْأَوَازُ يَتَوَلَّدُ مِنْ أَصْلَيْنِ حَسَنَيْنِ لِلتَّوْلِيدِ وَصَفَهُمَا بِٱلشَّدَّيْنِ وَلِذَا قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَفَرَّعُوا مِنْ كُلِّ شَدَّيْنِ نَغَمْ ... سَمَّوْهُ أَوَازًا فَبَعْضٌ قَدْ رَسَمْ

لِلرَّسْتِ وَٱلْعِرَاقِ نَيْرُوزًا* في الحاشية: {رَسَمَ بَعْضٌ نَيْرُوزًا لِلرَّسْتِ وَٱلْعِرَاقِ}. {أَيْ رَسَمَ ٱلْبَعْضُ نَيْرُوزًا}.وَلَمْ ... يُنْقَلْ لَهُ خَلَفٌ بِذَا لَمَّا حَكَمْ

وَٱلْآخَــــــــرَانِ لَهُمَـــــــــا ٱلشَّـــــــــهْنَازُ ... لِبَوْسَــــلِيكٍ وَٱلنَّــــــوَى ٱلْحِجَــــــازُ ».

يَعْنِي أَنَّ ٱلرَّسْتَ وَٱلْعِرَاقَ فَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ ٱلْفَنِّ مِنْهُمَا. / [و]"ٱلنَّيْرُوزُ" فِي ٱللُّغَةِ يُرَادُ بِهِ أَيَّامُ ٱلْحَرِّ وَحُيِّلَ فِي ٱلْاَصْطِلَاحِ عِلْمًا عَلَى مَا تَوَلَّدَ مِنَ ٱلرَّسْتِ وَٱلْعِرَاقِ وَٱخْتُلِفَ فِي ٱلْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا فَٱلْمُصَنِّفُ سَمَّاهُ نَيْرُوزًا وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ ٱلْكُرْدَانِيَّةُ لَكِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ ٱلرَّسْتِ وَٱلْعُشَّاقِ عِنْدَهُ، خِلَافًا لِمَا قَالَ : « لَمْ يُنْقَلْ لَهُ خَلَفٌ ».

وَأَرَادَ بِٱلْأَحْزَانِ ٱلزَّايرَافْكَنْدَ وَٱلْإِصْفَهَانَ [فـَ]يَتَوَلّدُ مِنْهُمَا "ٱلشَّهْنَازُ" وَهُوَ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ : ٱلْغِنَى ٱلْمَلَكِيُّ لِأَنَّ "شَاهْ" هُوَ ٱلْمَلِكُ وَٱلنَّازُ هُوَ ٱلْإِسْتِغْنَاءُ، جُعِلَ عِلْمًا عَلَى ذَلِكَ ٱلنَّغَمِ ٱلْمَعْرُوفِ.

وَأَنَّ "ٱلْحِجَازَ" فَرْعٌ عَنِ ٱلْبَوْسَلِيكِ وَٱلنَّوَى، وَٱلنَّوَى فِي ٱللُّغَةِ ٱلْحِفْظُ وَٱلْإِنْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَٱلْمُصَاحَبَةُ، وَأَمَّا / ٱلنَّوَى ٱلَّذِي هُوَ جَمْعُ نَوَاةِ ٱلتَّمْرِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُقَالُ نَوَاهُ إِذَا صَحِبَهُ وَحَفِظَهُ وَيُقَالُ ٱلنَّوَى ٱلْفُرَاقُ وَٱلْبُعْدُ لَكِنَّهُ جُعِلَ عِلْمًا عَلَى ٱلنَّغَمِ ٱلْأَصْلِيِّ ٱلْمَعْرُوفِ.

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَخُــــذْ لِفَرْعَـــيْ زِرْوَكَنْـــدٍ سُـــلْمَكَا ... لِلزَّرْكَشِـــــيِّ مَـــــايٌ وَزَنْكُلَا أَكَـــــا ».

"ٱلْأَكُ" بِٱلْفَتْحِ ٱلْيَوْمُ ٱلشَّدِيدُ يُقَالُ يَوْمٌ أَكِيٌّ وَأَكِيكٌ أَيْ يَوْمٌ كَانَ ٱلْحَرُّ فِيهِ شَدِيدًا، وَصَفَ ٱلزَّنْكُلَا بِٱلشِّدَّةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ تَصْوِيرِهِ. وَذَكَرَ فِي هَذَا ٱلْبَيْتِ أَنَّ "سُلْمَكًا" فَرْعٌ عَنْ فَرْعَيْ ٱلزِّرْوَكَنْدِ وَهُمَا ٱلْبُزْرَكُ وَٱلرَّهَوِيُّ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ "ٱلزَّرْكَشِيُّ" أَوَازُ مَايٍ وَزَنْكُلَا * في الحاشية : {إِخْرَاجُ ٱلْأَوَازَاتِ عَلَى ٱلْمَشْهُورِ:

رَسْتٌ عِرَاقٌ زِوَرْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ بَوْسَلِيكٌ حِجَازٌ بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ زَنْكُلَا مَايٌ حُسَيْنِيٌّ عُشَّاقٌ

نَيْرُوزٌ شَهْنَازٌ حِجَازٌ سُلْمَكٌ زَرْكَشِيٌّ كُوَشْتٌ}.

{رَاسْتٌ عِرَاقٌ زِرَفْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ زَنْكُلَا عُشَّاقٌ مَايَاهْ بَوْسَلِيكٌ رَهَوِيٌّ بُزُرْكٌ نَوَى حُسَيْنِيٌّ

نَيْرُوزٌ كُوَشْتٌ حِجَازٌ زَرْكَشِيٌّ شَهْنَازٌ سُلْمَكٌ.

هَكَذَا رِسَالَةُ عَبْدُ ٱللهِ ٱلْمَنْصُورِ}

{وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِرَاقٍ وَزِوَرْكَنْدٍ نَغَمٌ وَتُسَمِّيَهُ بِإِسْمٍ وَمِنْ إِصْفَهَانٍ وَبَوْسَلِيكٍ نَغَمٌ وَمِنَ ٱلنَّوَى وَٱلْبُزُرْكِ نَغَمٌ وَمِنَ ٱلرَّهَوِيِّ وَٱلزَّنْكُلَا نَغَمٌ وَمِنَ ٱلْمَايِ وَٱلْحُسَيْنِيِّ نَغَمٌ، فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَأَيْضًا يَخْرُجُ مِنَ ٱلرَّسْتِ وَٱلْعُشَّاقِ نَغَمٌ وَمِنَ ٱلْحُسَيْنِيِّ وَٱلْعِرَاقِ نَغَمٌ، إِلَخْ، نُقِلَ عَنْهُ أَنَّ كُوَشْتًـ[ا] لِزِوَرْكَنْدٍ إِلَخْ}.

.

وَذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ ٱلْكُوَشْتَ هُوَ لِلْحُسَيْنِيِّ / وَٱلْعُشَّاقُ بِقَوْلِهِ :

« وَلِلْحُسَيْنِيِّ وَعُشَّاقٍ نُقِلْ ... كُوَشْتُ وَٱلْبَعْضُ مُخَالِفٌ نُقِلْ

عَنْهُ لِزِرَفْكَنْدِ إِصْبَهَانِ ... كُوشْتٌ وَٱلشَّهْنَازُ فِي ٱلْبَيَانْ

لِمَــــــــــــــايٍ وَبَوْسَـــــــــــــلِيكٍ جُعِلَا ... حِجَــــــازٌ لِلْعُشَّـــــاقِ مَعَـــــهُ زَنْكُلَا ».

يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلَ ٱلْفَنِّ نَقَلَ عَنْهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ جَعْلُهُ ٱلْكُوَشْتِ لِزِيرَفْكَنْدٍ وَإِصْبَهَانٍ وَجَعْلُهُ ٱلشَّهْنَازَ لِمَايٍ وَبَوْسَلِيكٍ وَجَعْلُهُ ٱلْحِجَازَ لِلْعُشَّاقِ وَٱلزَّنْكُلَا وَجَعْلُهُ ٱلسُّلْمَكَ لِلْحُسَيْنِيِّ وَٱلنَّوَى وَجَعْلُهُ ٱلزَّرْكَشِيَّ لِلْبُزْرَكِ وَٱلرَّهَوِيِّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ :

« وَسُــلْمَكٌ عَــنِ ٱلْحُسَـــيْنِيِّ وَٱلنَّـــوَى ... وَزَرْكَشِـيٌّ عَـنْ بُــزْرَكٍ رَهَــوَى* في الحاشية: {أَصْلُهُ ٱلرَّهَوِيُّ بِكَسْرِ ٱلْوَاوِ وَإِنَّمَا فُتِحَ لِضَرُورَةِ قَافِيَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي ٱلْمِصْرَاعِ ٱلْأَوَّلِ}. [(كُتبت في و. 34 من المخطوطة، بدل أن تُكتَب في و. 33)].»* كتب عجز البيت ٤٣ في الأرجوزة هكذا : "وَٱلذَّوْقُ يُدْرِي مَنْ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْتَوَى"..

[الأوازات المختلَف فيها]

وَهَذَا تَصْوِيرُ ٱلْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِي إِخْرَاجِ ٱلْأَوَازَاتِ : /

رَسْتٌ عِرَاقٌ زِيرَفْكَنْدٌ إِصْبَهَانٌ مَايٌ بَوْسَلِيكٌ عُشَّاقٌ زَنْكُلَا حُسَيْنِيٌّ نَوَى بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ

نَيْرُوزٌ كُوَشْتٌ شَهْنَازٌ حِجَازٌ سُلْمَكٌ زَرْكَشِيٌّ.

[الشّواذّ الثّلاثة المتفرّعة من الأوازات السّتّة]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : « ذِكْرُ ٱلشَّوَاذِّ ٱلثَّلَاثَةِ ٱلْمُفَرَّعَةِ عَن ٱلْأَوَازَاتِ ٱلسِّتَّةِ »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ ٱلشَّوَاذُّ مُفْرَدُهُ شَاذٌّ. قَالَ ٱلْأَخْتَرِيُّ : « يُقَالُ شَذَّ عَنِ ٱلْجُمْهُورِ أَيِ ٱنْفَرَدَ ». وَقَالَ غَيْرُهُ : « ٱلشَّاذُّ ٱلنَّادِرُ ». فَعَلَى كِلَا ٱلْأَمْرَيْنِ هُوَ غَيْرُ ٱلْمَشَاهِيرِ.

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَفَرَّعُــــــوا عَـــــنْ هَـــــذِهِ ٱلْأَوَازَاتِ ... مَــا سُــمِّيَ ٱلشَّـــاذَّ ثَلَاثُ شَـــاذَّاتِ ».

دَخَلَ فِي عَرُوضِهِ وَ ضَرَبَهُ ٱلتَّذْيِيلُ فَصَارَ "مَفْعُولَاتٍ" وَ دَخَلَ فِي أَجْزَائِهِ ٱلْخَبْزُ وَٱلْعَقْلُ وَٱلطَّيُّ :

مُتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعَلَاتٌ مُسْتَفْعِلُنْ مُفَاعَلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفْلَاتٌ مَفَاعِلُنْ مُسْتَفْعِــــــــــــــــــــلُ

مُفْتَعِلُنْ فَعُولَاتٌ خَبْزٌ طَيٌّ عَقْلٌ كَفٌّ. /

شَهْنَازٌ نَيْرُوزٌ ¦ سُلْمَكٌ زَرْكَشِيٌّ ¦ حِجَازٌ كُوَشْتٌ

عُـــــــــــزَالٌ ¦ زَوَالِــــــــــــــيٌّ ¦ عَكْبَـــــــرِيٌّ

هَذَا تَرْتِيبُ ٱخْرَاجِ ٱلشَّوَاذِّ ٱلثَّلَاثِ، أَيْ وَفَرَّعُوا مِنْ هَذِهِ ٱلْأَوَازَاتِ ٱلسِّتِّ ثَلَاثَةً تُسَمَّى بِـ"ٱلشَّوَاذِّ".

فَفَرَّعُوا مِنَ ٱلنَّيْرُوزِ وَٱلشَّهْنَازِ "عُزَالًا" وَهْوَ جَمْعُ عَازِلٍ وَمَعْنَاهُ لُغَةً ٱلْمُفْرِزُ، وَٱلشَّهْنَازُ لِأَنَّ ٱلْعَزْلَ هُوَ ٱلْإِفْرَازُ فَجُعِلَ عِلْمًا عَلَى هَذِهِ ٱلنَّغْمَةِ ٱلْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ بَيْنِ ٱلنَّيْرُوزِ وَٱلشَّهْنَازِ. وَفَرَّعُوا أَيْضًا مِنْ حِجَازٍ وَكُوَشْتٍ "ٱلْعُكْبَرِيَّ".

وَأَشَارَ إِلَى هَذَا كُلِّهُ بِقَوْلِهِ فِي مَا يَأْتِي :

« عَنْ كُلِّ أَوَازَيْنِ فَرْعٌ ثَالِثُ ... مِنْهُنَّ عُزَّالٌ وَذَاكَ حَادِثُ

عَنْ نَغْمَتَيْ شَهْنَازٍ وَٱلنَّيْرُوزِ ... لِسُلْمَكٍ وَٱلزَّرْكَشِيِّ ٱلْعَزِيزِ

فَـــــرْعٌ زَوَالِـــــيٌّ وَأَمَّـــــا ٱلْعُكْبَــــــرِيُّ ... فَعَـــنْ حِجَـــازٍ وَكُوشْـــتٍ فَــاُنْظُرِي ».

[طريقة ترتيب الأنغام الإثني عشر]

"ٱلزَّرْ" ٱسْمٌ لِلذَّهَبِ وَ"كَشِ" بِمَعْنَى ٱلسَّحْبِ، فَٱلْمَعْنَى سَاحِبُ / ٱلذَّهَبِ، وَٱلْيَاءُ لِنِسْبَةٍ.

تَرْتِيبِ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ كَمَا ذَكَرَهُ ٱلْأُسْتَاذُ ٱلْعَلَّامَةُ صَفِيُّ ٱلدِّينِ عَبْدُ ٱلْمُؤْمِنِ رَحِمَهُ ٱللَّهُ، أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ.

ثُمَّ أَرَادَ ذِكْرَ هَذَا ٱلتَّرْتِيبِ* في الحاشية : {وَهَذَا تَرْتِيبُ مَا ذُكِرَ:

عُشَّاقٌ نَوَى بَوْسَلِيكٌ رَسْتٌ عِرَاقٌ إِصْبَهَانٌ زِيرَافْكَنْدٌ بُزُرْكٌ زَنْكُلَا رَهَوِيٌّ حُسَيْنِيٌّ حِجَازِيٌّ}.

فَقَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَبَعْــضٌ مِــنْ دَقَـــائِقِ ٱلْفَــنِّ حَـــوَى ... رَتَّبَــــهَا ٱلْعُشَّــــاقُ بَعْــــدَهُ ٱلنَّــــوَى ».

تَقْدِيرُهُ وَ"بَعْضٌ" : مَنْ حَوَى دَقَائِقَ ٱلْفَنِّ : رَتَّبَهَا تَرْتِيبًا، [وهو* أي صفيّ الدّين عبد المؤمن.] مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ؛ أَوَّلُهَا ٱلْعُشَّاقُ ثُمَّ ٱلنَّوَى وَبَوْسَلِيكٌ وَٱلرَّسْتُ وَٱلْعِرَاقُ وَٱلْإِصْبَهَانُ وَزِيرَافْكَنْدٌ وَبُزُرْكٌ وَزَنْكُلَا وَرَهَوِيٌّ وَحُسَيْنِيٌّ وَٱلْحِجَازِيُّ.

وَٱلْفَنُّ وَاحِدُ ٱلْفُنُونِ وَهُوَ ٱلنَّوْعُ وَٱلْأُسْلُوبُ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا ٱلتَّرْتِيبِ ٱلْمَذَكُورِ* في الحاشية :

{ رَسْتٌ عِرَاقٌ ¦ زِيرَافْكَنْدٌ إِصْفَهَانٌ ¦ بَوْسَلِيكٌ نَوَى ¦ بُزُرْكٌ رَهَوِيٌّ ¦ زَنْكُلَا حِجَازِيٌّ ¦ حُسَيْنِيٌّ عُشَّاقٌ

نَيْــــــــــــــرُوزٌ ¦ شَهْنَــــــــــــــــازٌ ¦ مَــــــايَــــــاهْ ¦ سُلْـــــــــــمَكٌ ¦ كُرْدَانِيَّــــــــــةٌ ¦ كَــــــــــوَشْتٌ}.

بِقَوْلِهِ : /

« وَبَوْسَلِيكٌ ٱلرَّسْتُ وَٱلْعِرَاقُ ... وَٱلْإِصْبَهَانُ وَلَهُ ٱللَّحَاقُ

بِزِيرَافْكَنْدٍ وَبُزُرْكٍ زَنْكُلَا ... وَرَهَوِيٍّ وَٱلْحُسَيْنِيِّ تَلَا

وَجُعِــــلَ ٱخْتِتَامُهَـــــا ٱلْحِجَــــــازِي* في الحاشية العُليا : {وَبُدِّلَ بِٱلْكُرْدَانِيِّ ٱلزَّرْكَشِيُّ}.... وَنُقِـــلَ ٱلْمَــــايُ إِلَــــى ٱلْأَوَازِي »* في الحاشية : {[قبل نقل الماي إلى الأواز] زَنْكُلَا مَايٌ ==> زَرْكَشِيٌّ ¦ [بعد نقل الماي إلى الأواز وتغييره بالحجازيِّ] زَنْكَلَا حِجَازِيٌّ ==> كِرْدَانِيَّةٌ}. .

[خاتم الأنغام : الحجازيّ]

قَوْلُهُ "وَجُعِلَ" إِلَخْ، أَيْ وَجُعِلَ ٱلْبَعْضُ ٱلْمُشَارُ إِلَيْهِ بِحَاوِي ٱلْفُنُونِ، ٱلنَّغَمُ ٱلْحِجَازِيُّ ٱخْتِتَامُ ٱلْأَنْغَامِ.

[حاوي الفنون : الماي]

وَأَشَارَ رَحِمَهُ ٱللهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ ٱلْحَاوِي جُعِلَ ٱلْمَايُ ٱلّذِي هُوَ مِنَ ٱلْأُصُولِ ٱلْإِثْنَيْ عَشَرَ مِنَ ٱلْأَوَازَاتِ وَبَدَّلَ ٱلزَّرْكَشِيَّ بِكُرْدَانِيَّةٍ لِأَنَّ ٱلزَّرْكَشِيَّ هُوَ أَوَازُ ٱلزَّنْكُلَا وَٱلْمَايِ عَلَى مَا ذَكَرَ آنِفًا وَعَلَى تَرْتِيبِهِ يَتَوَلّدُ مِنَ ٱلزَّنْكُلَا وَٱلْحِجَازِيِّ ٱلْكُرْدَانِيَّةُ، وَأَشَارَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ إِلَى هَذَا ٱلتَّبْدِيلِ بِقَوْلِهِ : /

« وَبُـــــدِّلَ ٱلْكُرْدَانِيــَـــهْ بِٱلزَّرْكَشِــــــي ... وَلَمْ يُبَنْ كَيْفَ عَنِ ٱلْأَصْلِ ٱنْتُشِي ».

[أصل التّغييرات في ترتيب الأنغام الزّوائد]

قَوْلُهُ "وَلَمْ يُبَنْ" أَيْ لَمْ يُبَيَّنْ عَنْ أَصْلٍ هَذِهِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ وَٱلتَّبْدِيلَاتِ؛ وَكَانَ ٱلْمُصَنِّفُ يَجْهَلُ هَذَا ٱلْأَمْرَ فَأَهْمَلَهُ وَأَتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ ٱلْإِخْبَارِ لِغَرَابَتِهِ وَلِمَا كَانَتِ ٱلزَّوَايِدُ مِنَ ٱلْغَرِيبِ أَيْضًا أَلْحَقَهُ بِهَذَا ٱلتَّرْتِيبِ وَقَالَ :

« ذِكْرُ ٱلْأَنْغَامِ ٱلزَّوَائِدِ »

[الأنغام الخارجة عن المألوف بحسب النّاظم] أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ، وَزَوَائِدُ مُفْرَدُهُ زَائِدٌ نَحْوَ كَاهِلٍ وَكَوَاهِلٍ. قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَمَا أَتَى مِمَّا عَدَا ٱلْمَذْكُورِ ... فَخَارِجٌ عَنْ حَدِّهِ ٱلْمَشْهُورِ

كَمُسْــــــــــتَعَارِ رَمَــــــــــلٍ وَٱلنَّهَـــــــــرِ ... كَـــــذَا ٱلْخُــــــوَارِزْمِيُّ وَٱلْمُحَيَّــــــرُ ».

ٱلرَّمَلُ مَأْخُوذٌ مِنْ رَمَلْتُ* رَمَلَ : رَقَّقَ.[أو رَمَلْتَ] ٱلْحَصِيرَ إِذَا نَسَجْتُهُ [أو نَسَجْتَهُ] وَ قِيلَ / مِنْ رَمَلَ فِي ٱلسَّيْرِ إذَا أَسْرَعَ؛ وَٱلنَّهَرْ بِفَتْحَتَيْنِ وَبِسُكُونِ ٱلْهَاءِ [أَيْ ٱلنَّهَرْ وَٱلنَّهْرُ] جَمْعُهُ أَنْهَارٍ؛ وَخُوَارِزْمُ إِسْمُ بَلْدَةٍ بِبِلَادِ ٱلْعَجَمِ؛ وَٱلْمُحَيَّرُ مِنَ ٱلْحِيرَةِ وَهِيَ عَدَمُ ٱلتَّوَجُّهِ مِنَ ٱلْجِهَاتِ.

[جواز الزّيادة والتّركيب أو التّبديل بشرط وضع قواعد لذلك]

لَكِنَّهَا جُعِلَتْ أَعْلَامًا عَلَى ٱلْأَنْغَامِ ٱلْمَعْرُوفَةِ بِهَا وَحَيْثُ أَنَّ ٱلْأَمْرَ قِيَاسِيٌّ عَقْلِيٌّ وَلَا يَعْتَرِضُ ٱلشَّرْعُ عَلَى مُخْتَرِعِهِ وَمُكَثِّرِهِ يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ ٱلزِّيَادَةَ عَلَى ٱلْأَصْلِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ :

« وَإِنَّ لِلْعَقْلِ مَجَالَ ٱلتَّكْثِيرِ ... وَأَنْ يُرَكِّبَهَا بِكُلِّ تَقْدِيرِ».

مُتَفْعِلُـــــــنْ مُسْتَعِلُـــــــنْ مَفْعُـــــــولَاتُ ... مُتَفْعِلُــــــنْ مُسْـــــــــــتَفْعِلُنْ فَعُــــولَاتُ[* هذا البيت كتبه شارح الأرجوزة وهو لتوضيح التّغيير الّذي طرأ على التّفعيلات.]

دَخَلَ فِي عَرُوضِهِ وَ ضَرَبَهُ ٱلتَّذْيِيلُ وَفِي أَجْزَائِهِ ٱلْخَبْزُ وَٱلطّيُّ وَقَوْلِهِ : "وَأَنْ يُرَكِّبْهَا" أَيْ وَإِنَّ لِلْعَقْلِ / أَنْ يُرَكِّبَهَا * في الحاشية : { يَنْظُرُ إِلَى إِخْرَاجِ ٱلْأَوَازَاتِ ٱلْمَشْهُورَةِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ ٱلْمَقَامَاتِ وَٱلشُّعَبَ وَٱلْأَوَازَاتِ [تَخْرُجُ (كُتبت : يخرجون)] مِنْ مَخَارِجَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُفْرَدَاتٍ، فَمِنْ بَعْضِ ٱلرَّسَائِلِ أَنَّ ٱلْمُفْرَدَاتَ إِحْدَى عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَٱلْمُفْرَدَاتُ هَذِهِ كَٱلْحُرُوفِ ٱلثَّمَانِيَةِ وَٱلْعِشْرِينَ: كَمَا إِذَا قِيلَ مَا حُرُوفُ زَيْدٍ؟ فَتَقُولُ: زَاءٌ وَيَاءٌ وَدَالٌ. وَلَكِنَّ ٱلرَّسَائِلَ مُخْتَلِفَةٌ فِي ٱلْمُفْرَدَاتِ وَفِي عَدَدِ ٱلْأَجْزَاءِ مِنْ بَعْضِ ٱلرَّسَائِلِ أَنَّ ٱلدُّوكَاه يَخْرُجُ مِنَ ٱلْبَيتِ ٱلْخَامِسِ وَٱلسَّادِسِ وَٱلسَّابِعِ فَهْوَ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثِ مُفْرَدَاتٍ وَثَلَاثِ نَغَمَاتٍ وَفِي بَعْضِهَا يَخْرُجُ مِنَ ٱلْبَيْتِ ٱلثَّانِي وَيَهْبِطُ إِلَى ٱلْبَيْتِ ٱلْأَوَّلِ ثُمُّ يَصْعَدُ إِلَى ٱلْبَيْتِ ٱلثَّانِي فَهْوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مُفْرَدَتَيْنِ وَمِنْ ثَلَاثِ نَغَمَاتٍ وَفِي بَعْضِهَا يَخْرُجُ مِنْ ٱلْبَيْتِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلرَّابِعِ فَهْوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مُفْرَدَتَيْنِ وَمِنْ نَغْمَتَيْنِ، هَذَا ٱلدُّوكَاه مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَلْ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ ٱلشُّعَبِ وَٱلْمَقَامَاتِ وَٱلْأَوَازَاتِ كُلُّهَا مُخْتَلِفَةً مَخَارِجٌ وَ نَغَمَاتٌ يَعْرِفُهُ مَنْ قَرَأَ فِي كُتُبِهَا وَٱطّلَعَ عَلَى ٱخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا؛ فَمِنْ هُنَا يُفْهَمُ كَلَامُ ٱلْمَاتِنِ فِي قَوْلِهِ "فَإِنَّهُ بَحْرٌ فِي ٱلتَّرْتِيبِ فِي ٱلصَّفْحَةِ".}. ؛ قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَكُلَّمَا ٱنْتَهَى بِهِ إِلَى عَدَدْ ... زَادَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَلَا يُحَدْ

لَكِنَّهَــــــا لَــــــمْ تُسَـــــمَّ لَا وَلَا تُقَـــــلْ ... وَمَــــا عَلَـــى عِـــدَّةِ أَنْغَـــامٍ عَمَـــلْ ».

قَوْلُهُ "لَكِنَّهَا لَمْ تُسَمَّ"، اَسْتِدرَاكٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ٱلتَّحْدِيدَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِكَوْنِهَا لَمْ تُعْلَمْ لِوُقُوعِهَا نَادِرًا "وَلَا تُقَلْ" لِعَدَمِ ٱلْعِلْمِ بِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تُسْمَعْ، وَقَوْلِهِ "وَمَا" إِلَخْ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ أَيْ لَيْسَ عَلَى عَدَدِ أَنْغَامٍ عَمَلٌ حَتَّى يُعَزَّى ٱلْأَعْرَفُ مِنْهَا أَوْ إلَى ٱلْأَشْهَرِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ :

« يُعَـزَّى إِلَـى ٱلْأَعْــرَفِ مِنْهَــا ٱلْأَشْــهَرِ ... وَإِنْ سَــــمَّيْتَ بَعْضَـــــهَا لَا يُنْكَـــــرِ ».

أَيْ وَإِنْ أَحْدَثْتَ شَيْئًا يُوَافِقُ ٱلْقَوَاعِدَ وَسَمَّيْتَهَا / بِٱسْمٍ وَضَبَطْتَ وَصْفَهُ [فـَ]لَا يُنْكَرُ عَلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ فِي هَذَا، وَلِذَا قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى :

« فَــــإِنَّهُ لَا حَجْــــرَ فِـــــي ٱلتَّرْتِيـــــبِ ... وَٱلْفَخْــرُ فِـــي ذِي صَـــنْعَةٍ وَطِيـــبِ ».

"فِي" بِمَعْنَى ٱلْلَّامِ لِنِيَابَةِ حُرُوفِ ٱلْجَرِّ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ يَعْنِي أَنَّ ٱلْفَخْرَ كَائِنٌ لِصَاحِبِهِ صَنْعَةَ طِيبَةٍ. [وَ]"ٱلْفَخْرُ" بِسُكُونِ ٱلْخَاءِ : ٱلشَّرَفُ وَٱلْفَضْلُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ ٱللَّائِقَ بِٱلشَّخْصِ أَنْ يَعْرِفَ مَقَامَ صَاحِبِ ٱلشَّرَفِ وَٱلْفَضْلِ، كَائِنَانِ [(أي الشّرف والفضل)] لِصَاحِبِ ٱلصَّنْعَةِ ٱلْكَامِلَةِ، وَأَمَّا "ٱلْفَخْرُ" بِمَعَنَى ٱلْإِفْتِخَارِ وَهُوَ ٱدِّعَاءُ ٱلشَّرَفِ وَٱلْفَضْلِ : فَحَرَامٌ مَذْمُومٌ لَا يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَرْتَكِبَهُ. وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ ٱلسَّلَامُ : « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ »، يُحْتَمَلُ / أَنْ يَكُونَ ٱلْمَعْنَى "وَلَا فَخْرَ لِأَحَدٍ عَلَيَّ" أَوْ أَنْ يَكُونَ ٱلْمَعْنَى "وَلَا أَفْتَخِرُ بِذَلِكَ بَلْ أُخْبِرُكُمْ بِٱلْوَاقِعِ"، فَعَلَى هَذَا ٱلْإِحْتِمَالِ نَفَى ٱلْإِفْتِخَارَ؛ فَإِذَا لَمْ يَفْتَخِرْ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ -مَعَ كَوْنِهِ أَفْضَلُ ٱلْمَخْلُوقَاتِ- فَكَيْفَ ٱفْتِخَارُنَا عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا عَمًى وَجَهْلٌ مَحْضٌ حَمَانَا ٱللَّهُ مِنْهُمَا بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ٱلطَّاهِرِينَ.

[رفع الحجر على التّجديد في الفروع]

وَأَشَارَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَفْعِ ٱلْحَجْرِ فِي ٱلْإِحْدَاثِ وَٱلتَّجْدِيدِ بِقَوْلِهِ :

« وَرُبَّمَـــــا يَكُـــــونُ فَــــــرْعٌ سُـــــمِعَا ... مِــــنْ نَغَــــمِ ٱلْأَصْــــلِ أَلَـــذَّ طَبْعَـــا ».

"وَرُبَّ" يَكُونُ لِلتَّقْلِيلِ وَٱلتَّكْثِيرِ وَتَدْخُلُ عَلَى نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَتَلْحَقُهَا "مَا" فَتَدْخُلُ عَلَى ٱلْجُمَلِ / فَتَكُفُّهَا عَنِ ٱلْعَمَلِ نَحْوَ "رُبَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ". وَٱلتَّقْدِيرُ فِي هَذَا ٱلْبَيْتِ "رُبَّ فَرْعٍ سُمِعَ أَلَذَّ وَأَحْلَى مِنْ نَغَمِ ٱلْأَصْلِ"؛ وَ"ٱلطّبْعُ" قِيلَ هُوَ ٱلذَّاتُ.

« وَصِيَّةُ ٱلْأُسْتَاذِ ٱلْمُصَنِّفِ »

« وَصِيَّةُ ٱلْأُسْتَاذِ ٱلْمُصَنِّفِ » رَحِمَهُ ٱللَّهُ، أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ :

[النّغم الأصل والنّغم الفرع في علاقتهما بالطّباع وطرق العمل بها : الهروب من التّنفير والتّبعيد : التّغنّي]

« فَلَتَكُ ذَا عِنَايَةٍ فِي ٱلْعَمَلِ ... بِلَذَّةِ ٱلسَّامِعِ بِٱلْمُعَجِّلِ

وَحَسَـــنُ ٱلْإِمْـــزَاجِ فِـــي ٱلشُّــــدُودِ* في الحاشية : {قَولُهُ شُدُودٌ جَمْعُ شَدٍّ نَحْوَ كُهُولٍ وَكَهْلٍ، فَٱلظّاهِرُ أَنَّهَا هِيَ ٱلْأَنْغَامُ؛ وَتَقَدَّمض فِي قَوْلِهِ "مِنْ كُلِّ شَدَّيْنِ نَغَمٌ" أَيْ مِنْ كُلِّ نَغَمَيْنِ نَغَمٌ}.... وَٱحْـــذَرْ مِــنَ ٱلتَّنْفِيــرِ وٱلتَّبْعِيــدِ* في الحاشية : {ذَكَرُوا مِنْ تَحْسِينِ ٱلْأَنْغَامِ أَنَّ ٱلرَّسْتَ يَحْسُنُ مَعَهُ ٱلْجَارْكَاه [الجاهركاه] وَٱلسَّكَاهْ وَٱلْبَنْجَكَاهْ؛ وَٱلْإِصْفَهَانُ وَٱلْعِرَاقَ يَحْسُنُ مَعَهَا ٱلزَّايْرَافْكَنْدُ وَٱلْمَايَاهْ. قَوْلُهُ: "وَحَسَنُ ٱلْإِمزَاجِ" إِلَخْ، "ٱلْمَزْجُ" ٱلْخَلْطُ فَلَعَلَّهُ عَلَى مَعْنَى خَلْطِ ٱلْأَنْغَامِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ كَمَا قَالَ ٱلْمَارْدِينِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ: "وَإِنْ خَالَطَ ٱلْحِجَازُ ٱلزَّرْكَشِيَّ سُمِّيَ ٱلْعُزَالُ فَٱفْهَمْ أَمْرَهُ". وَفِي مُوَشَّحَاتِ (ٱلْفوري) أَنَّ تَصْوِيرَ نَغَمِ (ٱلسكرِية) أَنْ يَبْتَدِئَ بِإِصْفَهَانٍ وَيَهْبِطَ عَلَى عِرَاقٍ وَأَنَّ تَصْوِيرَ نَغْمَةِ (ٱلرَّوضةِ) أَنْ يَبْتَدِئَ بِعِرَاقٍ وَيَعْلُو وَيَهْبِطَ عَلَى حِجَازٍ أَوْ بِإِصْفَهَانٍ وَيَهْبِطَ عَلَى حِجَازٍ}.».

"ٱلْعِنَايَةُ" بِٱلْكَسْرِ، ٱلطّلَبُ، يُقَالُ "عَنَا بِكَذَا" أَيْ أَرَادَ ٱلْمَعْنَى، "فَلَتَكُ صَاحِبَ طَلَبٍ فِي عَمَلِكَ بِلَذَّةِ ٱلسَّامِعِ، وَحَسَنُ مَزْجِ ٱلْأَنْغَامِ وَتَحْسِينِهَا عِنْدَ ٱلْإِنتِقَالِ مِنْ نَغَمٍ إِلَى نَغَمٍ. وَقَوْلُهِ : "وَٱحْذَرْ مِنَ ٱلتَّنْفِيرِ وَٱلتَّبْعِيدِ". فَٱلتَّبْعِيدُ وَٱلتَّنْفِيرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ يُرَادُ بِهِ ٱلتَّحْذِيرُ / مِنْ أَنْ يُنْتَقَلَ مِنْ نَغَمٍ إِلَى نَغَمٍ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ كَاَلْإِنتِقَالِ مِنَ ٱلْحُسَيْنِيِّ إِلَى ٱلْعِرَاقِ.

"وَٱحْذَرْ مِنَ ٱلتَّنْفِيرِ وَٱلتَّعْقِيدِ" : أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ فِي ٱلْأَشْعَارِ كَلِمَاتٌ مُنَفِّرَةٌ مُعَقَّدَةٌ؛ وَٱلتَّنَافُرُ فِي ٱلْكَلِمَةِ بَعْدَ مَخَارِجِ ٱلْحُرُوفِ لِثِقَلِهَا عَلَى ٱللِّسَانِ نَحْوَ "عَهْ عَهْ"، وَٱلتَّعْقِيدُ عُسْرُ فَهْمِ مَعْنَى ٱلْكَلَامِ فَٱلْمَطْلُوبُ مِنَ ٱلْمُسَمِّعِ أَنْ يَكُونَ أَلْفَاظُ أَشْعَارِهِ حَسَنَةً لَيْسَ فِيهَا كَلَامٌ مُنَفِّرٌ مُعَقَّدٌ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ إِلّا بِٱلْعُسْرِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ ٱلْوَجْهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ ٱلْكَاتِبَ جَعَلَ ٱلتَّعْقِيدَ تَبْعِيدًا لِقُرْبِ ٱلرَّسْمِ بَينَهُمَا وَفِي صَرِيحِ كَلَامِهِ ٱلدَّلَالَةُ إِلَى ٱلتَّغَنِّي لِلنَّاسِ.

[مجال التّغنّي شرعًا]

وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ ؟

أَمَّا ٱلتَّغَنِّي / لِلَّهْوِ فَحَرَامٌ فِي جَمِيعِ ٱلْأَدْيَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ ٱلدُّرَرِ وَأَمَّا ٱلتَّغَنِّي بِٱلْأَشْعَارِ ٱلْغَيْرِ ٱلْقَبِيحَةِ ٱلّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ٱلْفَوَاحِشَ كَٱلْخَمْرِ وَٱلزِّنَا عِنْدَ ٱلنَّاسِ فِي ٱلْأَعْيَادِ وَٱلْعُرْسِ جَائِزَةٌ عِنْدَ بَعْضِ ٱلْحَنَفِيَّةِ وَٱلتَّغَنِّي وَحْدَهُ بِٱلْأَشْعَارِ أَيْضًا لِدَفْعِ ٱلْوِحْشَةِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ وَاَجْتِمَاعُ ٱلنَّاسِ فِي ٱلْمَجَالِسِ مُطْلَقًا وَتَغَنِّيهِمْ جَائِزٌ إِنْ سَلَمَتِ ٱلْأَلْفَاظُ مِنَ ٱلْفَحْشِ وَٱلْقَبَائِحِ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ وَتَصْفِيقِ يَدٍ بِشَرْطِ أَمْنِ ٱلْفِتْنَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ* في الحاشية : {ٱلْغِناءُ عُرْفًا تَرْدِيدُ ٱلصَّوْتِ بِٱلْأَلْحَانِ فِي ٱلشِّعْرِ مَعَ انْضِمَامِ ٱلضَّرْبِ ٱلْمُنَاسِبِ لَهَا، وَفِيهِ قُيُودٌ ثَلَاثَةٌ كَوْنُ ٱلْأَلْحَانِ فِي ٱلشِّعْرِ وَٱنْضِمَامُ ٱلضَّرْبِ لِلْأَلْحَانِ وَمُنَاسَبَةُ ٱلضَّرْبِ لَهَا، وَٱلتَّرْدِيدُ [هو] تَفَاوُتُ ضُرُوبِ ٱلْحَرَكَاتِ فِي ٱلصَّوْتِ. وَقَالَ ٱلْأَخْتَرِيُّ : « التَّرْجِيعُ هُوَ رَفْعُ ٱلصَّوْتِ وَعِنْدَ البَعْضِ هُوَ خَفْضُ ٱلصَّوْتِ ثُمَّ رَفْعُهُ »؛ وَٱلتَّرْجِيعُ هُوَ ٱلتَّرْدِيدُ كَمَا قَالَهُ ٱلْإِمَامُ ٱلْمُنَاوِيُّ}..

[عند الشّافعيّة]

وَكَمَا يَجُوزُ ٱلتَّغَنِّي يَجُوزُ سَمَاعُهُ عِنْدَ ٱلشَّافِعِيَّةِ فَفِي مَذْهَبِهِمُ ٱلْجَوَازُ فِي غَيْرِ ٱلْأَعْيَادِ وَٱلْعُرْسِ.

[عند المالكيّة]

وَعِنْدَ ٱلْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ تَنْزِيلُهَا فِي غَيْرِ ٱلْأَعْيَادِ وَٱلْعُرْسِ. /

[عند الحنفيّة]

وَعِنْدَ ٱلْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِٱلْأَعْيَادِ وَٱلْعُرْسِ وَفِي ٱلْخَلْوَةِ لِدَفْعِ ٱلْوِحْشَةِ./

[الوصيّات الّتي لا بأس بها عند المرض : الوصفات]

وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا [فَـ]صَحَّ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ ٱلْوَصِيَّاتِ ٱلّتِي لَا بَأْسَ بِهَا خُصُوصًا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا عِلَاجُ ٱلْمَرْضَى؛ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ ٱلْأَحْكَامِ قَوْلُهُ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَإِنْ رَأَيْتَ طَرَبًا فَاعْمَدْ إِلَى ... زِيَادَةِ ٱلْوَجْدِ عَلَيْهِ وَانْقُلَا

إِلَى أَوَازِ مَا اسْتُلِذَّ ثُمَّا ... إِلَى شَوَاذِّهِ وَكُلٌّ مِمَّا

يُلَــــــذُّ أَوْلَـــــــى مِـــــــنَ ٱلْحِضَـــــــارِ ... وَغَيْـــــرُ ذَا مُـــــوجِبُ ٱلْإِنْحِصَــــارِ ».

[تعريفات وشرح]

"ٱلطّرَبُ" ٱلْخِفَّةُ ٱلّتِي تَعْرِضُ ٱلْإِنْسَانَ، وَ"ٱلْوَجْدُ" زِيَادَةُ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْإِشْتِيَاقِ وَيُقَالُ ٱلْوَجْدُ يُطْلَقُ عَلَى ٱلْحُزْنِ وَٱلْحُبِّ، ٱلْمَعْنَى إِذَا رَأَيْتَ ٱلسَّامِعِينَ حَصَلَ لَهُمْ / خِفَّةٌ وَنَشَاطٌ فَٱعْمَدْ إِلَى ٱلزِّيَادَةِ فِي ٱلتَّحْسِينِ وَإِذَا رَأَيْتَ مَلَالَهُمْ وَعَدَمَ حَظِّهِمْ* حَظَّ، من فعل أَحَظَّ؛ حَظَّهُمْ : أعطاهم ما تشتهيه أنفسهم.فَٱنْقُلْ إِلَى ٱلْأَوَازَاتِ ٱلْمُلِذَّةِ ثُمَّ إِلَى شَوَاذِّ ٱلْأَنْغَامِ وَكُلِّ مِنَ ٱلّذِي يُسْتَلَذُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنِ ٱلْأَوَازِ وَٱلشَّوَاذِّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنَ ٱلْأُصُولِ.

[تفسير للأحاسيس (أي الطّبائع والأمزجة وبيان تأثير الأنغام فيها) الّتي تصيب الإنسان وطرق مداواة المريض وخطر الخطإ في استعمال النّغم في العلاج]

وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ : "وَكُلٌّ مِمَّا يُلَذُّ أَوْلَى مِنَ ٱلْحِضَارِ" : "ٱلْحِضَارَةُ" بِٱلْكَسْرِ ٱلْإِقَامَةُ فِي ٱلْحِضَرِ، أَيْ وَكُلُّ مَا يُسْتَلَذُّ بِهِ أَوْلَى مِنَ ٱلّذِي لَا يُسْتَلَذُّ بِهِ كَٱلْإِدَامَةِ فِي نَغَمٍ مُقْبِضٍ، وَ"ٱلْإِنْحِصَارُ" وَ"ٱلْإِحْصَارُ" ٱلتَّضْيِيقُ فِي ٱلْأُمُورِ؛ [لِمَا] كَانَ ٱلْوَجْدُ يُطْلَقُ عَلَى ٱلْحُبِّ ٱلّذِي يَقْرَبُ مِنَ ٱلْعِشْقِ ٱلْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِٱلْكَيْفِيَّةِ / ٱلّتِي تَقَعُ فِي قَلْبِ ٱلْعَاشِقِ؛ وَلَعَلَّهُ حَارٌّ لِأَنَّهُ يَطْرُدُ ٱلنَّوْمَ. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى ٱلْحُزْنِ وَهُوَ أَمْرٌ يَحْصُلُ مِنْهُ تَحَسُّرٌ لِمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْمَصَائِبِ وَيُورِثُ ٱلنَّوْمَ فَلَعَلَّهُ بَارِدٌ، فَإِذَا سَمِعَ صَاحِبُ ٱلْمَرَضِ ٱلْحَارِّ ٱلنَّغَمَ ٱلْحَارَّ أَوْ سَمِعَ صَاحِبُ ٱلْمَرَضِ ٱلْبَارِدِ ٱلنَّغَمَ ٱلْبَارِدَ رُبَّمَا يُخْشَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ ٱلتَّلَفِ؛ فَيَنْبَغِي ٱلتَّفَطُّنُ فِي إِسْمَاعِهِ بِٱسْتِخْبَارِ حَالِ ٱلشَّخْصِ وَإِلَى مَا ذُكِرَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى :

« وَرُبَّمَــــــا مَـــــاتَ بِـــــهِ ذُو وَجْـــــدِ ... إِنْ كَـــانَ ٱلْانتِقَـــالُ نَحْـــوَ ٱلضِّـــدِّ ».

فَذِكْرُ ٱلْخَوْفِ عَلَى صَاحِبِ ٱلْوَجْدِ يُفِيدُ أَنَّ لِلْأَنْغَامِ تَأْثِيرًا وَذَا بِمَحْضَرِ خَلْقِ ٱللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَخْلُقَ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ سَمَاعِ بَعْضِ ٱلْأَنْغَامِ ٱلْهَلَاكَ كَمَا يَخْلُقُ ٱلْهَلَاكَ عِنْدَ تَنَاوُلِ ٱلسُّمِّ وَتِلْكَ أُمُورٌ عَادِيَّاتٌ وَكَمَا يَخْلُقُ عِنْدَ سَمَاعِ بَعْضِهَا ٱلشِّفَا وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ :

« بَيَانُ تَأْثِيرُ ٱلْأَنْغَامِ فِي ٱلْأَمْزِجَةِ مِنَ ٱلْأَخْلَاقِ »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ ٱلْأَمْزِجَةُ مَعَ مِزَاجٍ بِٱلْكَسْرِ : ٱلطّبِيعَةُ وَٱلْخِلْطُ، وَيُقَالُ "مِزَاجُ ٱلْبَدَنِ" مَا رَكِبَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلطّبَائِعِ، وَٱلْأَخْلَاقِ بِٱلْفَتْحِ وَاحِدٌ ٱلْخُلُقُ مِنْهَا ٱلشَّجَاعَةُ وَٱلْجُبْنُ وَٱلْبُخْلُ وَٱلْكَرَمُ.

[أمثلة لنغمات وتأثيراتها في الأمزجة : نغم عشّاق وبوسليك ونوى للشّجاعة]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« فَإِنَّ عُشَّاقًا وَبَوْسَلِيكَا ... ثُمَّ نَوَى تُفِيدُنَا تَسْلِيكَا

إِلَــــــى شَــــــجَاعَةٍ وَبَسْــــــطِ قُـــــــوَّةِ ... وَتَبْعَـــثُ ٱلشَّـــخْصَ عَلَـــى ٱلْفُتُــوَّةِ ».

"ٱلْفُتُوَّةُ" بِضَمِّ ٱلْفَاءِ وَٱلتَّاءِ وَتَشْدِيدِ ٱلْوَاوِ وَآخِرُهُ هَاءٌ : / [هي] ٱلْكَرَمُ وَٱلسَّخَاءُ وَٱلشَّجَاعَةُ [أي] قُوَّةُ ٱلْقَلْبِ؛ فَٱلْمَعْنَى أَنَّ نَغَمَ عُشَّاقٍ وَ بَوْسَلِيكٍ وَنَوَى يَكُونُ سَبَبًا إِلَى ٱلشَّجَاعَةِ وَٱلْكَرَمِ وَٱلسَّخَاءِ فَهَذِهِ أخْلَاقٌ حَمِيدَةٌ إِذَا ٱنْصَرَفَتْ فِي ٱلْخَيْرِ.

[مناسبة الأنغام لجميع الملل]

وَقَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« تَلِــــــيقُ بِـــــــٱلتُّرْكِ وَبِـــــــٱلزُّنُوجِي ... وَسَـــاكِنِي ٱلْجِبَـــالِ وَٱلْعُلُـــوجِي ».

"ٱلتُّرْكُ" : بِٱلضَّمِّ إِسْمُ طَائِفَةٍ جَمْعُهُ أَتْرَاكٌ؛ وَ"ٱلزُّنُوجُ" : جَمْعُ (زَ)زِنْجٍ* في المخطوطة كتبت كلمة زنج وقد وُضعت فتحة وكسرة في ذات الحرف وهو حرف الزّين لبيان أنّها تكتب بطريقتين : زَنْجٌ وَزِنْجٌ.بِٱلْفَتْحِ وَٱلْكَسْرِ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَحِمْلٌ وَحُمُولٌ، ٱسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنَ ٱلسُّودَانِ، نِسْبَةُ زِنْجِيٍّ وَٱلْحَبَشُ دَاخِلٌ تَحْتَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ ٱلْمُوسِيقَى؛ وَ"ٱلْعُلُوجُ" : بِٱلضَّمِّ جَمْعُ عِلْجٍ بِٱلْكَسْرِ، إِسْمُ طَائِفَةٍ مِنْ أَنْفَارِ ٱلْعَجَمِ.

فَلَمَّا كَانَ سُكَّانُ ٱلْبَوَادِي وَٱلْجِبَالِ / يَحْتَاجُونَ إِلَى ٱلشَّجَاعَةِ لِتَمَكُّنِ ٱلْعَدُوِّ مِنْهُمْ لِعَدَمِ تَحَصُّنِهِمْ فِي ٱلْحُصُونِ وَٱلْمُدُنِ اُخْتِيرَ لَهُمْ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ مَا يُقَوِّيهِمْ وَيُشَجِّعُهُمْ.

[أمثلة لنغمات وتأثيراتها في الأمزجة : نغم نيروز وإصبهان ورست وعراق للبشر والبسط]

ثُمَّ أَشَارَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ إِلَى ذِكْرِ تَأْثِيرِ ٱلْأَنْغَامِ أَيْضًا بِٱلْبِشَرِ وَٱلْبَسْطِ خُصُوصًا لِدَفْعِ ٱلْوِحْشَةِ، لَا مُطْلَقُ ٱللَّهْوِ بِقَوْلِهِ :

« ثُــــــــــمَّ لِنَيْـــــــــرُوزٍ وَإِصْـــــــــبَهَانِ ... وَٱلرَّسْــتِ وَٱلْعِــرَاقِ فِـــي ٱلْإِنْسَـــانِ ».

فَـ"ثُمَّ" لِلتَّرْتِيبِ، وَ"لِنَيْرُوزٍ" جَارٌّ وَمَجْرُورٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ"بِشْرٌ" مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَ"ٱلْبِشْرُ" بِٱلْكَسْرِ ٱلسُّرُورُ وَٱلْبَهْجَةُ.

[أمثلة لنغمات وتأثيراتها في الأمزجة عند الإنتقال من واحد لآخر : النّقل من نغم عراق إلى نغم حسينيّ : "نَفْرَةُ ٱلضِّدَّيْنِ"]

فَفِي ٱلْأَنْغَامِ مُلِذٌّ وَمُقْبِضٌ وَمُفْرِحٌ وَمُحْزِنٌ وَمُبْسِطٌ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« بِشْرٌ وَلَذَّةٌ وَبَسْطٌ وَٱنْبُذَنْ ... مَا قَدْ بَقِيَ مِنْهَا يقْبِضُ وَحَزَنْ /

فَكَـــانَ فِـــي ٱلنَّقْـــلِ إِلَـــى ٱلْحُسَـــيْنِيِّ ... مِــــنَ ٱلْعِــــرَاقِ نَفْــــرَةُ ٱلضِّــــدَّيْنِ ».

فَٱلّذِي يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ ٱلْأَحْبَابِ ٱلْأَنْغَامُ ٱلْمُسِرَّةُ وَٱلْمُلِذَّةُ وَٱلْمُفْرِحَةُ، ٱلْمُبْسِطَةُ؛ وَيُتْرَكُ مَا سِوَاهُ* في الحاشية : {ٱلشَّهْوَةُ ضِدُّهَا ٱلنَّفْرَةُ، فَٱلشَّهْوَةُ هِيَ حَرَكَةُ ٱلنَّفْسِ طَلَبًا لِلْمُلَائِمِ وَفِي ٱلْمِصْبَاحِ هِيَ ٱشْتِيَاقُ ٱلنَّفْسِ إِلَى شَيْءٍ؛ وَٱلنَّفْرَةُ هِيَ نَفْرَةُ ٱلطّبْعِ عَنِ ٱلشَّيْءِ، إِذْ حُبُّ ٱلشَّيْءِ وَٱلنَّفْرَةُ عَنْهُ ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ. 'مِنْ شُرُوحِ ٱلطَّرِيقَةِ ٱلمُحَمَّدِيَّةِ'}.، وَلِذَا قَالَ "وَاَنْبُذَنْ" بِنُونِ ٱلتَّوْكِيدِ ٱلْخَفِيفَةِ وَٱلنَّبْذُ ٱلطّرْحُ وَٱلْإِلْغَاءُ.

[الغرض من الأنغام المقبضة والأنغام المبسطة]

وَأَمَّا لِمُقَابَلَةِ ٱلْأَعْدَاءِ وَٱلْحُرُوبِ تُسْتَعْمَلُ ٱلْأَنْغَامُ ٱلْمُقْبِضَةُ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا شَيْخُ ٱلْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ : « وَفَائِدَتُهُ قَبْضُ ٱلْأَرْوَاحِ وَبَسْطِهَا »، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي ٱلْأَفْرَاحِ وَعِلَاجِ ٱلْمَرْضَى وَٱلْحُرُوبِ، وَأَشَارَ لِبَعْضِ ٱلْمُقْبِضَاتِ وَهَوَ أَنَّ ٱلْإِنْتِقَالَ مِنْ نَغْمَةِ ٱلْعِرَاقِ إِلَى نَغْمَةِ ٱلْحُسَيْنِيِّ كَنَفْرَةِ ٱلضِّدَّيْنِ* في الحاشية : {وَٱلبَاقِي مِنْهَا ٱلْبُزُرْكُ وَٱلرَّهَوِيُّ وَٱلزَّنْكُلَا وَٱلزَّايْرَافْكَنْدُ وَٱلحُسَيْنِيُّ وَٱلْمَايُ}.، وَذَلِكَ كَنَفْرَةِ ٱلْهِرِّ مِنَ ٱلْكَلْبِ* في الحاشية : {يُقَالُ نَفَرَتِ ٱلدَّابَّةُ إِذَا هَرَبَتْ}.لِأَنَّ أَحَدَهُمَا / ضَعِيفٌ وَٱلثَّانِي قَوِيٌّ فَلَا يُطِيقُ* من فعل "أطاقَ".ٱلضَّعِيفُ ٱلْقَوِيَّ وَحَقِيقَةُ ٱلضِّدَّيْنِ هُمَا ٱلْمَعْنَيَانِ ٱلْوُجُودِيَّانِ ٱللَّذَانِ بَيْنَهُمَا غَايَةُ ٱلْخِلَافِ كَٱلْبَيَاضِ وَٱلسَّوَادِ : قَالَهُ ٱلْإِمَامُ ٱلسَّنوُسِيُّ فِي ٱلْحَقَائِقِ.

ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : « وَصِيَّةً لِلْمُطْربِ »

أَيْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِلْمُطْرِبِ، هَذَا مَحَلُّهُ :

« وَيَنْبَغِي تَلَطُّفُ ٱلْقَوَّالِ ... بِعِلْمِهِ أَمْزِجَةَ ٱلرِّجَالِ

وَحَالُةُ ٱلْقَوْلُ وَإِنْ يَسْتَجْمِعَا ... لِكُلِّ مَوْضِعِ لَطِيفٍ قِطَعًا

مِـــنْ أَشْــــرَفِ ٱلْأَشْــــعَارِ ذِي صَـــنَائِعِ ... فَاعِلَـــةٌ فِـــي أَلْطَـــفِ ٱلطَّبَــــائِعِ »* في الحاشية : {صَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ٱلرَّسْتَ وَٱلعِرَاقَ وَٱلْإِصْفَهَانَ يَبْسِطُ النَّفْسَ بَسْطًا لَطِيفًا لَذِيذًا، فَلِذَلِكَ يُلَائِمُ ٱلفُقَهَاءَ وَٱلْعُلَمَاءَ وَأرْبَابَ ٱلْأَقْلَامِ؛ وَأَمَّا ٱلرَّهَاوِيُّ وَٱلزَّنْكُلَا وَٱلْحِجَازُ فَإِنَّهَا تُورِثُ حُزْنًا وَفُتُورًا فَلِذَلِكَ يُلَائِمُ طَبَائِعَ ٱلشَّاقِّ وَٱلْفَاقِدِينَ وَٱلْفُقَرَاءِ ٱلْمُتَصَوِّفِينَ؛ وَأَمَّا ٱلْبُزُرْكُ وَٱلزَّيْرَافْكَنْدُ وَٱلْحُسَيْنِيُّ فَإِنَّهَا تُلَائِمُ طِبَاعَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْخَدَمِ وَأَهْلَ ٱلطّرَبِ}..

قَوْلُهُ "يَنْبَغِي" أَيْ يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ قَائِلُ ٱلْأَشْعَارِ عَالِمًا بِأَمْزِجَةِ ٱلرِّجَالِ وَطَبَائِعِهَا وَعَالِمًا بِحَالِ ٱلْقَوْلِ مِنْ قُبْحٍ وَحُسْنٍ، يُقَالُ أَنَّ زَيْدًا عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ / ، فَلَا يَتَكَلَّمُ بِٱلْكَلَامِ ٱلْقَبِيحِ وَلِهَذَا وَصَفَ ٱلشِّعْرَ بِقَوْلِهِ "أَشْرَفُ ٱلْأَشْعَارِ" لِبُعْدِهِ عَنِ ٱلْكَلَامِ ٱلْقَبِيحِ، وَقَوْلِهِ "ذِي صَنَائِعٍ" صِفَةً لِلْقَوَّالِ ٱلْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ ٱلْمِصْرَاعِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱعْتِرَاضٌ : جُمَلٌ مُعْتَرَضَةٌ بَيْنَ ٱلصِّفَةِ وَٱلْمَوْصُوفِ، وَقَوْلُهُ "فَاعِلَةٌ" : حَالٌ مِنَ ٱلْأَشْعَارِ : حَالَةُ كَوْنِهِ فَاعِلَةٌ؛ قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« يُورِدُ كُلًّا فِي ٱلْمَكَانِ ٱللَّائِقِ ... فِي نَغَمِ مُنَاسِبٍ مُوَافِقِ

مُنْتَخِبًـــــــــا مَحَاسِــــــــنَ ٱلنِّظَـــــــــامِ ... يُــــورِدُهُ فِــــي أَنْسَـــــبِ ٱلْأَنْغَـــــامِ ».

[الأنغام المستعملة بحسب حالة النّفس]

[البِشر والأشواق واللّطف : نغمة العراق]

ثُمَّ أخَذَ يَتَكَلَّمُ رَحِمَهُ ٱللَّهُ فِي تَأْثِيرِ ٱلْأَنْغَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ لِيَكُونَ لِلتِّكْرَارِ أَثَرٌ فِي ٱلنَّفْسِ بِقَوْلِهِ :

« يَخْتَــــــــارُ لِلْبِشْـــــــرِ وَٱلْأَشْـــــــوَاقِ ... وَٱللُّطْــــفِ مِثْــــلَ نَغْمَـــــةِ ٱلْعِــــرَاقِ /

[الشّجاعة وبسط النّفس : نغمة العشّاق]

وَلِلشَّــــــجَاعَةِ وَبَسْــــــطِ ٱلنَّفْــــــسِ ... كَنَغْمَـــــةِ ٱلْعُشَّــــــاقِ دُونَ لَبْــــــسِ ».

"ٱللَّبْسُ" بِٱلْفَتْحِ ٱلْإِشْتِبَاهُ وَٱلْإِخْتِلَاطُ، يُقَالُ "لَبَسَ عَلَيْهِ ٱلْأَمْرُ" أَيْ خَلَطَهُ وَبَابُهُ ضَرْبٌ، وَذَكَرَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى فِي ٱلْبَيْتِ ٱلْآتِي أَنَّ ٱلْمُنَاسِبَ لِأَصْحَابِ ٱلْأَحْزَانِ وَأَهْلِ ٱلْوَجْدِ وَٱلرِّقَّةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُمُ ٱلْحُزْنَ وَٱلْغَمَّ وَٱلْكَرَبَ، إِذْ هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ مَا وَصَلَ مِنَ ٱلْمَصَائِبِ وَنَزَلَ وَفِيهِ تَحَسُّرٌ وَأَنَّ ٱلدَّافِعَ لِهَذَا بِعَوْنِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْأَنْغَامِ [هُوَ] ٱلْمَايُ وَٱلْحُسَيْنِيُّ؛ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ :

[الوجد والرّقة والحزن : نغمة زيرفكند وحسينيّ وماي]

« لِلْوَجْدِ وَٱلرِّقَّةِ وَٱلْحُزْنِ رَأْيُ ... كَزَيْرَافْكَنْدٍ وَٱلْحُسَيْنِيِّ وَمَايِ

فَـــــــإِنَّ هَــــــذَا بِــــــٱللَّبِيبِ أنْسَــــــبُ ... وَهُــوَ لَــدَى كُــلِّ ٱلطِّبَــاعِ أَعْجَــبُ ».

"ٱللَّبِيبُ" ٱلْعَاقِلُ جَمْعُهُ أَلِبَّاءُ كَأَطِبَّاءُ، وَ"لَدَى" / بِمَعْنَى عِنْدَ.

[المواصلة في نفس النّغم إذا كان مناسبًا مع العدل]

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« وَتَكْمُلُ ٱللَّذَّةُ فِيهِ وَإِذَا ... خَالَفَهُ فَقَدْ يُؤَثِّرُ ٱلْأَذَى

أَوْ يُنْقِـــــصُ ٱللَّـــــذَّةَ ثُـــــمَّ يَقْتَصِـــــدُ ... لِكُـــــلِّ طَبْـــــعٍ وِفْقَـــــهُ وَيَعْتَمِـــــدُ ».

[اعتماد طرق الحكماء في المداواة]

"ٱلْإِقْتِصَادُ" طَلَبُ ٱلْعَدْلِ أَوْ هُوَ فِعْلُ ٱلْعَدْلِ وَٱلْعَدْلُ وَضْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ؛ قَوْلُهُ "وَيَعْتَمِدُ" أَيْ ٱلْقَوَّالُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى طَرِيقِ ٱلْحُكَمَاءِ لِأَنَّهُمْ يُدَاوُونَ ٱلْمَرَضَ ٱلْيَابِسَ ٱلْحَارَّ بٱلْبَارِدِ ٱلرَّطْبِ؛ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ ٱلْكِتَابِ جُمْلَةٌ مِنْ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى هَذَا ٱلْحُكْمِ بِقَوْلِهِ :

« فِعْلَ ٱلْمُدَاوِينَ فَلِلْيُبُوسَه ... بِضِدِّهَا رُطُوبَةٌ مَحْسُوسَه

كَعَكْسِــــــــــهِ وَبَـــــــــارِدٌ بِسُـــــــــخْنِ ... كَضِــدِّهِ فِعْــــلُ ٱلصَّــحِيحِ ٱلـــذِّهْنِ ».

وَأَشَارَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ ٱلّذِي يُوَافِقُ ٱلْعِلَاجَ / مِنَ ٱلْأَدْوِيَةِ بِحَسَبِ طَبَائِعِهَا يُوَافِقُ مِزَاجَ ٱلسَّامِعِ، مَثَلًا إِذَا كَانَ مَرَضُهُ حَارًّا يُدَاوَى بِنَغَمٍ بَارِدٍ كَمَا أَنَّ ٱلْحَارَّ يُدَاوَى بِعَقَاقِيرَ بَارِدَةٍ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ :

« وَرُبَّ مَــــــا وَافَــــــقَ فِـــــي ٱلْعِلَاجِ ... يُــــوَافِقُ ٱلسَّــــامِعَ فِــــي ٱلْمِــــزَاجِ ».

[الحكمة في فترة استعمال النّغم لمداواة مرض كالحكمة في فترة اَستعمال العقاقير والأدوية وخطر عدم اشتهاء نفس المريض للشّيء (نغم أو دواءٍ)]

ثُمَّ أشَارَ إِلَى مَسْأَلَةٍ وَهُوَ أَنَّ ٱلْمَرِيضَ إِذَا أَكَلَ ٱلدَّوَاءَ يَأْخُذُ مِنْ مَرَضِهِ وَإِذَا أَكَلَ ٱلدَّوَاءِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ مَرَضُهُ أَخَذَ مِنْ جِسْمِهِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَأْخُذُ مِنَ ٱلْمَرَضِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَرَضٍ آخَرَ فَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ :

« فَلَا يَمَلُّهُــــــــمْ بِتَطْوِيــــــــــلٍ وَلَا ... يَقْطَـــعُ دُونَ قَصْــــدِهِمْ وَأَوَّلَا ».

"ٱلْمَلَالَةُ" ٱلسَّآمَةُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعَدَمِ ٱشْتِهَاءِ ٱلنَّفْسِ وَقَدْ ذُكَرَ فِي ٱلْمَوَاهِبِ أَنَّ ٱلْمَرِيضَ إذَا تَنَاوَلَ / شَيْئًا يَشْتَهِيهِ عَنْ جُوعٍ صَادِقٍ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ كَانَ أَنْفَعَ وَأَقَلَّ ضَرَرًا مِمَّا لَا يَشْتَهِيهِ؛ وَإِنْ كَانَ نَافِعًا فِي نَفْسِهِ فَإِنْ صَدَقَ شَهْوَتَهُ وَمَحَبَّةَ ٱلطّبِيعَةِ لَهُ تَدْفَعُ ضَرَرَهُ وَكَذَلِكَ بِٱلْعَكْسِ، لَكِنْ عَدَمُ ٱلضَّرَرِ مُنَوَّطٌ بِحَيْثُ إِذَا كَانَ ٱلْمُتَنَاوَلُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا تَعْجِزُ ٱلطّبِيعَةُ عَنْ هَضْمِهِ. اِنْتَهَى.

فَيُنْهِي عَلَى هَذَا أَنَّ ٱلسَّامِعَ إِذَا مَلَّ مِنَ ٱلسَّمَاعِ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ وَإِلّا يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ.

[أثناء عمليّة المداواة]

وَقَوْلُهُ "وَأَوَّلًا" أَيْ يَنْبَغِي لِلْقَوَّالِ أَوَّلًا أَنْ يُرَاعِي فِي ٱلْأَسْمَاعِ ٱلْكُبَرَاءَ جَمْعُ كَبِيرٍ، ثُمَّ ٱلَّذِي حَرَّكَهُ ٱلْوَجْدُ مَعَ ٱلطّرِيقَةِ ٱلْحَسَنَةِ؛ وَإِلَى هَذَا أشَارَ بِقَوْلِهِ :

« يَرْقُــــبُ حَـــالُ ٱلْكُبَـــرَاءِ ثُـــمَّ مَـــنْ ... حَرَّكَهُ ٱلْوَجْدُ مَعَ ٱلسَّمْتِ ٱلْحَسَنْ /  ».

[دور الصّوت الحسن في شفاء المريض مع الدّيانة والصّيانة]

« وَٱلْأَصْــلُ طِيــبُ ٱلصَّــوْتِ وَٱلــدِّيَانَهْ ... فِيــــهِ وَصِـــدْقُ ٱلْقَـــوْلِ وَٱلصِّـــيَانَهْ ».

[وَذَلِكَ] لِمَا كَانَ ٱلْأَصْلُ فِي ٱلْأُمُورِ كُلِّهَا "ٱلدِّيَانَةُ وَٱلدِّينُ" بِٱلْكَسْرِ، هُوَ ٱلطّاعَةُ فَلَا بُدَّ لَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ٱلتَّدَايُنُ فِيهِ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَى ٱلْقَوَاعِدِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْمُحَمَّدِيَّةِ؛ وَ"ٱلصِّيَانَةُ" حِفْظُ ٱلنَّفْسِ مِنَ ٱلْمَعَاصِي. وَأَشَارَ إِلَى حُصُولِ ٱلدِّيَانَةِ وَٱلصِّيَانَةِ بِقَوْلِهِ رَحِمَهُ ٱللَّهُ :

« فَـــإِنْ أَتَـــتْ مَـــعَ جَـــوْدَةِ ٱلْأَعْمَــالِ ... فَقَـــــدْ أَتَـــــى بِغَايَـــــةِ ٱلْكَمَــــــالِ ».

[ضُروب الأنغام]

لَمَّا أَنْهَى ٱلْكَلَامَ عَلَى ٱلْأَنْغَامِ أَخَذَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى ضُرُوبِهَا ٱلّتِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا، وَمَعْرِفَةُ ٱلضُّرُوبِ تَنْفَعُ لِمَعْرِفَةِ حَدِّ تَطْوِيلِ ٱلنَّغَمِ، كَمَا أَنَّ ٱلْقَارِئَ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ حَدِّ ٱلْمَدِّ. فَبَعْضُ ٱلْمُدُودِ أَلِفٌ كَٱلطّبِيعِيِّ / وَبَعْضُهَا ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ؛ وَٱلْأَلِفُ مِقْدَارُ حَرَكَتَيْنِ وَٱلضُّرُوبُ كَثِيرَةٌ فَذَكَرَ ٱلْمُهِمَّ مِنْهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ فَقَالَ :

« بَيَانُ ٱلضُّرُوبِ ٱلسَّبْعَةِ وَوُجُوبُ مُرَاعَاتِهَا »

أَيْ هَذَا مَحَلُّهُ.

وَ"ٱلضُّرُوبُ" جَمْعُ ضَرْبٍ بِٱلتَّسْكِينِ، إِسْمٌ لِلضَّرْبِ ٱلْمَعْهُودِ لِلْأَذِيَّةِ وَإِسْمٌ لِلْبَيَانِ وَٱلسَّيْرِ؛ يُقَالُ "ضَرَبَ مَثَلًا" أَيْ بَيَّنَ، وَ"ضَرَبَ فِي ٱلْأَرْضِ" أَيْ سَافَرَ. وَفِي ٱلْعُرْفِ إِسْمٌ لِمَا يُضْرَبُ بِٱلْيَدِ ٱلْيَمِينِ وَبِٱلْيَدِ ٱلْيَسَارِ؛ فَجَعَلُوا دُمْ لِلْيَمِينِ وَتَكْ لِلشِّمَالِ هَكَذَا فِي قَوَاعِدِ ٱلْعَجَمِ وَسَيَأْتِي تَصَاوِيرُ ٱلسَّبْعَةِ مِنَ ٱلضُّرُوبِ ٱلّتِي ذَكَرَهَا.

[دَوْرُ ضبط الضّرب]

ثُمَّ قَالَ :

« ثُـمَّ أَتْقِـنْ ٱلضَّــرْبَ وَحَقِّقْــهُ وَهَلْ ... يَصُحُّ دُونَ ضَبْطِكَ ٱلضَّرْبَ عَمَلُ ». /

[الأضراب أو الضّروب السّبعة]

« وَجُمْلَةُ ٱلْأَضْرَابِ سَبْعَةٌ وَقَدْ ... خُصَّ ثَقِيلُهُ ثَلَاثَةً تُعَدُّ

بِــــــأَوَّلِ ٱلثَّقِيــــــلِ ثُــــــمَّ ثَـــــــانِيَهْ ... ثُــــــمَّ خَفِيفُـــــهُ فَخُـــــذْ مَعَـــــانِيَهْ ».

تَقْطِيعُ هَذَا ٱلْبَيْتِ ٱلْأَخِيرِ : مُتَفْعِلُنْ مُفَاعِلُنْ فَعُولَانِ

فَعُولَانِ

مُتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُ مُسْتَعِلُنْ مُتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُ.

دَخَلَ فِي أَجْزَائِهِ ٱلْخَبْزُ وَٱلطّيُّ وَدَخَلَ فِي عَرُوضِهِ وَضَرَبَهُ ٱلتَّذْيِيلُ فَيُنْقَلَا إِلَى فَعُولَانِ.

[الثّقيل وأنواعه]

ذَكَرَ أَنَّ ٱلثَّقِيلَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : أَوَّلًا ٱلثَّقِيلُ وَثَانِي ٱلثَّقِيلِ وَخَفِيفُهُ [(أي خفيف الثّقيل)]؛ كَمَا أَنَّ ٱلْجِزْيَةَ عِنْدَ ٱلْحَنَفِيَّةِ ثَلَاثَةٌ؛ فَأَعْلَى ٱلْجِزْيَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا تُوضَعُ عَلَى ٱلْغَنِيِّ ٱلْكَامِلِ وَأَوْسَطَهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا تُوضَعُ عَلَى ٱلْمُتَوَسِّطِ مِنَ ٱلْغِنَى وَأَدْنَاهَا إِثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا / تُوضَعُ عَلَى ٱلْفَقِيرِ ٱلْمُكْتَسِبِ.

[تقدير أجزاء كلّ نوع من الثّقيل]

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا : [1] فَأَوَّلُ ٱلثَّقِيلِ أَعْلَاهُ وَنُقَدِّرُهُ بِأَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، [2] وَثَانِي ٱلثَّقِيلِ أَوْسَطُهُ وَنُقَدِّرُهُ بِجُزْأَيْنِ، [3] وَخَفِيفُ ٱلثَّقِيلِ أَدْنَاهُ وَنُقَدِّرُهُ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ؛ وَلِكُلٍّ مِنَ ٱلثَّلَاثَةِ تَصَاوِيرٌ تَأْتِي إِنْ شَاءَ ٱللَّهُ تَعَالَى. /

[الرّمل ونوعاه]

لَمَّا أَنْهَى ٱلْكَلَامَ عَلَى أَنْوَاعِ ٱلثَّقِيلِ أَخَذَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى ٱلرَّمَلِ وَخَفِيفِهِ، فَقَالَ :

« وَٱلرَّمَـــــلُ إِثْنَــــانِ فَمُطْلَـــــقٌ وَمَـــــا ... قُيِّــــدَ بِــــٱلْخَفِيفِ مِنْــــهُ فَٱعْلِمَــــا ».

وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ٱلرَّمَلِ فِي ذِكْرِ ٱلْأَنْغَامِ مِنَ ٱلزَّوَائِدِ وَهَذِهِ صُورَةٌ ٱلضَّرْبَيْنِ ٱلْمُطْلَقِ وَٱلْمُقَيَّدِ :

[4] رَمَــــــــــــــــلٌ ¦¦ [5] خَفِيــــــــــــــــفٌ [خفيف الرّمل]

دُمْ تَكْه دُمْ تَكْه تَكْه ¦¦ دُمْ تَكْ تَكْ دُمْ تَكْ

دُمْ تَكْه دُمْ تَكْ تَكْ ¦¦ تَكْ دُمْ تَكْه دُمْ تَكْ

دُمْ تَكْ تَكْه دُمْ تَكْ تَكْه ¦¦ تَكْ دُمْ تَكْه دُمْ تَكْ

هه هه ¦¦ دُمْ تَكْ تَكْه دُمْ تَكْ تَكْه

[الهزج، والفاختيّ]

وَٱلنَّوْعُ ٱلسَّادِسُ يُسَمَّى [6] بِٱلْهَزَجِ ، ٱلْهَزَجُ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى صَوْتُ ٱلرَّعْدِ فِي ٱللُّغَةِ وَقِيلَ ٱلْهَزَجُ ضَرْبٌ مِنَ ٱلْأَغَانِي وَفِيهِ ٱلتَّرَنُّمُ، وَبَابُهُمَا [(أي الأغاني والتّرانيم)] وَاحِدٌ.

وَٱلنَّوْعُ / ٱلسَّابِعُ يُسَمَّى [7] بِٱلْفَاخِتِيِّ [وهو] إِسْمُ طَائِرٍ مَعْرُوفٍ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَيْنِ ٱلنَّوْعَيْنِ* أي الهزج والفاختيّ.بِقَوْلِهِ :

« وَهَــــــزَجٌ وَٱلْفَـــــــاخِتِيُّ ٱلسَّـــــــابِعُ ... وَقُــلْ مَــا يَبْنِــي عَلَيْــهِ ٱلصَّـــانِعُ ».

أَيْ وَقُلْ صَانِعٌ لَمْ يَبْنِ أَعْمَالَهُ عَلَى هَذِهِ ٱلضُّرُوبِ لِٱحْتِيَاجِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ حَدِّ ٱلْأَنْغَامِ فِي ٱلطُّولِ وَٱلْقِصَرِ وَهَذِهِ صُورَتُهُمَا :

هَــــــــــــزَجٌ ¦¦ فَــــــــــــاخِتِيٌّ

دُمْ دُمْ دُمْ تَكْ ¦¦ دُمْ تَكْ دُمْ تَكْ

دُمْ دُمْ تَكْ تَكْه ¦¦ تَكْه تَكْه

تَكْه دُمْ تَكْ دُمْ

دُمْ تَكْ تَكْه تَكْه.* في الحاشية : {ٱلْغِنَاءُ بِٱلْكَسْرِ وَبِٱلْمَدِّ : ٱلتَّغَنِّي، وَلَعَلَّهُ يُجْمَعُ عَلَى أَغْنِيَةٍ كَسِلَاحٍ وَأَسْلِحَةٍ، قَالَ ٱلْأَخْتَرِيُّ : « ٱللِّوَاءُ بِٱلمَدِّ، بِالْكَسْرِ، وَٱلْمَدُّ جَمْعُهُ أَلْوِيَةٌ »، وَفِي شَرْحِ ٱلْكَنْزِ لِلْإِمَامِ ٱلَعَيْنِيِّ فِي بَابِ ٱلْأُضْحِيَةِ قَالَ : « أُضْحِيَةٌ عَلى وَزْنِ أُفْعِلَةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى أَفَاعِيلُ، فَأَضَاحِيُّ بٱلتَّشْدِيدِ لِأَرَاوِيِّ جَمْعُ أُرْوِيَةٍ ». 'فَلَعَلَّ مَا ذُكِرَ فِي ٱلْأُضْحِيَةِ أَنَّ مُفْرَدَ أَغَانِي أُغْنِيَةٌ، فَأَغَانِي جَمْعُ ٱلْجَمْعِ يُرَادُ بِهِ ٱلتَّغَنِّيَّاتُ'}. /

[خاتمة النّظم والشّرح]

لَمَّا أَنْهَى ٱلْكَلَامَ عَلَى ٱلْأَنْغَامِ وَأُصُولِهَا وَأَبْحُرِهَا وَتَرْتِيبِهَا وَأَوْزَانِهَا وَشَوَاذِّهَا وَتَأْثِيرَاتِهَا فِي ٱلنُّفُوسِ وَضُرُوبِهَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ خَاتِمَةٍ لِلنُّظُمِ يَذْكُرُ فِيهَا إِسْمَهُ وَإِسْمَ أَبِيهِ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمَا إِذْ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَاتِ ٱلتَّأْلِيفِ ٱلدُّعَاءُ بِٱلرَّحْمَةِ وَهِيَ مِنَ ٱلصَّدَقَاتِ ٱلْجَارِيَةِ فَرَحْمَةُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ / وَعَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبُ ٱلدَّعَوَاتِ.

قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ تَعَالَى :

« خَاتِمَةُ ٱلْكِتَابِ »* كُتب في الأرجوزة "خاتمة الرّسالة".

أَيْ هَذِهِ مَحَلُّهَا :

« صَـــــاحِبُهَا مُحَمَّــــدٌ نَجْــــلُ عَلِــــي ... نَاظِمُهَـا ٱبْـنُ ٱلْخَطِيـبِ ٱلْإِرْبِلِــي ».

يُقَالُ نَجَلْتُ ٱلشَّيَّ أَيْ اَسْتَخْرَجْتُهُ وَنَجَلَهُ أَبُوهُ أَيْ وَلَدَهُ وَهُوَ كَرِيمُ ٱلنَّجْلِ أَيْ كَرِيمُ ٱلْأَصْلِ، وَلَعَلَّ ٱلْأَخِيرَ مِنَ ٱلْمَصْرَعِ مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ مِنَ ٱلْمَصْرَعِ، عَرَّفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَلِيٍّ ٱلْخَطِيبِ، وَلَعَلَّ ٱلْإِرْبِلَ إِسْمُ بَلْدَةٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَالِدَهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ "هَذِهِ" إِلَى ٱلْقَصِيدَةِ ٱلّتِي نَظَمَهَا وَٱلْإِشَارَةُ وَاقِفَةٌ إِلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ فِي ٱلْخَارِجِ لَا فِي ٱلذِّهْنِ؛ قَالَ رَحِمَهُ ٱللَّهُ : /

« يَقُـــولُ هَــــذِهِ غَنِيَّـــةٌ لِمَــــنْ عَقَـــلْ ... وَقَـــدْ نَظَمْتُهَــــا بِيَـــوْمٍ أَوْ أقَـــلْ ».

أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ نَظَمَهَا فِي يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ تَحَدُّثًا بِٱلنَّغَمِ لِأَنَّ ٱلتَّحَدُّثَ بِٱلنَّغَمِ شُكْرٌ، وَٱلْيَوْمُ شَرْعًا زَمَانُ مَا بَيْنَ طُلُوعَيْ فَجْرٍ مُتَوَالِيَيْنِ أَوْ غُرُوبَيْ شَمْسٍ مُتَوَالِيَيْنِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى تَارِيخِهِ* تاريخ النّظم.بِقَوْلِهِ :

« وَذَاكَ فِـــــي سَــــــنَوَاتِ ٱلْهِجْــــــرَه ... تِسْــــعٍ وَعِشْـــرِينَ وَتِسْـــعِ مِـــائَه* كتبت في الأرجوزة : "وذاك في رندَادَ للهجرةِ (كذا) ٭ تسعٌ وعشرون وسبع مئةٍ".».

وَبَعْدَ ذِكْرِ ٱلتَّارِيخِ أَشَارَ إِلَى عِدَّةِ أَبْيَاتِ ٱلنَّظْمِ وَهِيَ مِائَةٌ وَبَيْتَانِ بِقَوْلِهِ :

« وَعِــــدَّةُ ٱلنَّظْــــمِ إِلَــــى هُنَــــا مِيَـــهْ ... يَتْبَعُهَــــــا بَيْتَـــــانِ لِلْخَتْـــــمِ هِيَهْ * كتبت في الأرجوزة : "وعـدَّة المجمـوعِ فـي نــظامي ٭ بيتٌ ومـــائة مـع الختامِ".

وهذا بحساب بيت لم يُذكر في الأرجوزة وذُكر فقط في النّصّ؛ ويأتي بحسب معناه بعد البيت ٤ وهو :

"فَقَدْ سَأَلْتَنِي وَكَرَّرْتَ ٱلطّلَـبْ ٭ بِنَظْمِ مَا يَضْبِطُ أَنْغَامَ ٱلطّرَبْ".

 ».

أَيْ يَتْبَعُهَا بَيْتَانِ هِيَ خَتْمٌ لِلْمِائَةِ وَٱلْهَاءُ فِي هَيَه لِلْوُقُفِ وَوَقَعَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : "وَمَا أَدْرَاكَ مَا هَيَه"، ثُمَّ أَشَارَ / رَحِمَهُ ٱللَّهُ إِلَى تَمَامِ ٱلنَّظْمِ بِقَوْلِهِ :

« وَكَمِلَتْ أُرْجُــــــــوزَةُ ٱلْأَنْغَــــــــامِ ... وَٱلْحَمْــــدُ لِلَّــــهِ عَلَـــــى ٱلْإِنْعَـــــامِ ».

ٱلْأُرْجُوزَةُ مِنْ بَحْرِ ٱلرَّجَزِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا مِنْ بَحْرِ ٱلرَّجَزِ فِي أَوَائِلِ ٱلنَّظْمِ وَكَمَا ٱفْتَتَحَ نَظْمَهُ بِـ"ٱلْحَمْدِ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ" خَتَمَهَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ : "وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ٱلإِنْعَامِ"، وَٱلْإِنْعَامُ بِٱلْكَسْرِ ٱلْإِحْسَانُ، حَمَدَهُ تَعَالَى عَلَى إِحْسَانِهِ لِمَا أَوْلَانَا مِنَ ٱلنِّعَمِ خُصُوصًا نِعْمَةَ ٱلْإِيمَانِ ٱلّتِي هِيَ أَجَلُّ ٱلنِّعَمِ إِذْ [هِيَ] نِعْمَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِنَّهُ رَحِمَهُ ٱللَّهُ كَمَا صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَاخِرِ نَظْمِهِ إِلّا أَنَّهُ حَذَفَ ٱلصَّلَاةَ لَفْظًا لِضِيقِ ٱلنَّظْمِ* في الحاشية : {فَائِدَةٌ : وَلَعَلَّـ[ـهُ] يَكْرَهُ إِفْرَادَ ٱلصَّلَاةِ عَنِ ٱلسَّلَامِ، كَمَا قَالَهُ ٱلْإِمَامُ ٱلنَّوَوِيُّ وَٱسْتَدَلَّ بِوُرُودِ ٱلْأَمْرِ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : [« بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ] ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴿٥٦﴾ ». [ٱلْأَحْزَابُ]. لَكِنْ تَعَقَّبُوهُ بِأَدِلَّةٍ، قَالَ فِي فَتْحِ ٱلْبَارِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَفْرِدَ [(أَيْ ٱلْمُؤْمِنُ)] ٱلصَّلَاةُ وَلَا يُسَلِّمَ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي وَقْتٍ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا؛ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَذَكَرَ ٱلشَّيْخُ ٱلْجَزَرِيُّ فِي مِفْتَاحِ ٱلْحِصْنِ بِلَفْظٍ : « وَأَمَّا ٱلْجَمْعُ بَيْنَ ٱلصَّلَاةِ وَٱلسَّلَامِ فَهُوَ ٱلْأَوْلَى وٱلْأَفْضَلُ وَٱلْأَكْمَلُ »، وَلَوِ ٱقْتَصَرَ عَلَى أَحَدٍ مِمَّا جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلسَّلَفِ مِنْهُمُ ٱلْإِمَامُ مُسْلِمُ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ؛ وَهَلُمَّ جَرَّا : حَتَّى ٱلْإِمَامُ وَلِيُّ ٱللَّهِ أَبُو ٱلْقَاسِمِ ٱلشَّاطِيُّ ذَكَرَ فِي قَصِيدَتِهِ ٱللَّامِيَّةِ وَٱلرَّائِيَّةِ. 'رِسَالَةٌ عَلَى قَارِئٍ فِي ذِكْرِ ٱلصَّلَاةِ وَٱلسَّلَامِ'}.وَقَالَ :

« ثُــــمَّ عَلَــــى خَيْــــرِ ٱلْـــوَرَى سَـــلَامِ ... مَــا سَـــرَّحْتَ سَـــائِمَةُ ٱلْأَنْعَـــامِ /  ».

أَيْ ثُمَّ سَلَامِي، عَلَى خَيْرِ ٱلْوَرَى وَهُوَ بِٱلْفَتْحِ وَٱلْمَدِّ : ٱلْخَلْقُ؛ [و]يُقَالُ هُوَ خَيْرُ ٱلْوَرَى أَيْ خَيْرُ ٱلْخَلْقِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَٱلصَّلَاةُ : ٱلرَّحْمَةُ وَٱلسَّلَامُ [و]ٱلْأَمَانُ؛ وَٱلْمَطْلُوبُ زِيَادَةُ ٱلرَّحْمَةِ وَٱلْأَمَانِ لَا أَصِلَهُمَا لِأَنَّهُمَا حَاصِلَانِ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ؛ وَٱلْأَنْعَامُ بِٱلْفَتْحِ جَمْعُ نَعَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ اِسْمٌ لِكُلِّ حَيَوَانٍ لَهُ أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ وَٱلسَّائِمَةُ جَمْعُهَا سَوَائِمُ هِيَ ٱلّتِي تَكْتَفِي بِٱلرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ أَيَّامِ ٱلسَّنَةِ وَمَا سَرَّحَتْ أَيْ مُدَّةُ سُرُوحِ سَائِمَةِ ٱلْأَنْعَامِ.

[خاتمة الشّرح]

وَإِلَى هُنَا ٱنْتَهَى مَا ٱعْتَنَيْتُ بِهِ، جَمَعْتُهُ لِلْقَاصِرِينَ مِنْ ٱلْأَمْثَالِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ كِتَابِي هَذَا قِلَّةَ ٱلْكَتْبِ وَعَدَمَ ٱلْإِطِّلَاعِ وَقِصَرَ ٱلْبَاعِ فَرَحْمَةُ ٱللَّهِ إِلَى مَنْ نَظَرَ إِلَى هَذَا / بِعَيْنِ ٱلْإِنْصَافِ وَدَعَا لِجَامِعِهَا بِخَيْرٍ، وَأَسَأَلُ ٱللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَشَايِخِي وَلِلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ٱلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَٱلْأَمْوَاتِ، وَأَقُولُ أَسْتَغْفِرُ ٱللَّهَ لِمَا ٱرْتَكَبْتُهُ وَتَجَارَيْتُ عَلَيْهِ مِنَ ٱلذُّنُوبِ، وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَٱلصَّلَاةُ وَٱلسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ وَصَلَّى ٱللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. /

الفهارس

فهرست شلواح 1979: [275]

فهرست شلواح 2004: [None]